التّفسير
عتاب ربّاني!
بعد أن تحدثنا حول شأن نزول الآيات ، ننتقل إلى تفسيرها :
يقول القرآن أولا : (عَبَسَ وَتَوَلَّى).
لماذا؟ : (أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى).
(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) ، ويطلب الإيمان والتقوى والتزكية.
(أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) ، فإن لم يحصل على التقوى ، فلا أقل من أن يتذكر ويستيقظ من الغفلة ، فتنفعه ذلك (١).
ويستمر العتاب ... : (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) ، من اعتبر نفسه غنيا ولا يحتاج لأحد.
(فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) ، تتوجّه إليه ، وتسعى في هدايته ، في حين أنّه مغرور لما أصابه من الثروة والغرور يولد الطغيان والتكبر ، كما أشارت لهذا الآيتان (٦ و٧) من سورة العلق : (... إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى). (٢)
(وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) ، أي في حين لو لم يسلك سبيل التقوى والإيمان ، فليس عليك شيء.
فوظيفتك البلاغ ، سواء أمن السامع أم لم يؤمن ، وليس لك أن تهمل الأعمى الذي يطلب الحقّ ، وإن كان هدفك أوسع ليشمل هداية كلّ أولئك الأغنياء المتحجرين.
__________________
(١) والفرق بين الآية والتي قبلها ، هو أنّ الحديث قد جرى حول التزكية والتقوى الكاملة ، في حين أنّ الحديث في الآية المبحوثة يتناول تأثير التذكر الإجمالي ، وإن لم يصل إلى مقام التقوى الكاملة ، وستكون النتيجة استفادة الأعمى المستهدي من التذكير ، سواء كانت الفائدة تامّة أم مختصرة. وقيل : إنّ الفرق بين الآيتين ، هو أنّ الأولى تشير إلى التطهير من المعاصي ، والثانية تشير إلى كسب الطاعات وإطاعة أمر الله عزوجل. والأوّل يبدو أقرب للصحة.
(٢) يقول الراغب في مفرداته : (غنى واستغنى وتغنى وتغانى) بمعنى واحد ، ويقول في (تصدّى) : إنّها من (الصدى) ، أي الصوت الراجع من الجبل.