الأوّل : أنّهم ـ أي الجن ـ يبيّنون حال أصحاب الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والمجتمعين عليه المقتدين به في صلاته إذا صلّى والمنصتين لما يتلوه كلام الله ، والمراد من ذلك هو الاقتداء الجنّ بهم والإيمان في ذلك.
الثّاني : لبيان حال المشركين ، أي لمّا قام النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يعبد الله بالصلاة كاد المشركون بازدحامهم أن يكونوا عليه لبدا مجتمعين متراكمين ليستهزئوا به.
والوجه الأخير لا يلائم هدف مبلغي الجن الذين أرادوا ترغيب الآخرين في الإيمان والمناسب هو أحد القولين السابقين.
* * *
ملاحظة
التّحريف في تفسير الآية : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ)
إنّ مسألة التوسل النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وبأولياء دين الله عليهمالسلام تعني اتّخاذهم وسيلة وذريعة الى الله تعالى ، وهذا ممّا لا يتنافى مع حقيقة التوحيد ولا مع آيات القرآن ، بل هي تأكيد على التوحيد وعلى أنّ كلّ شيء هو من عند الله ، وأشير إلى الشفاعة وطلب النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المغفرة للمؤمنين في كثير من آيات القرآن (١) وبهذا يصرّ بعض المبتعدين عن التعاليم الإسلامية والقرآن الكريم على إنكار شيء من قبيل التوسل والشفاعة.
وقد تذرعوا بعدة ذرائع لإثبات مقاصدهم ، منها ما يقولهم : إنّ الآية : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) تعني أنّ الله يأمر ألّا تدعوا معه أحدا ، ولا ندعوا غيره أو نطلب الشفاعة من غيره! والإنصاف أنّ ما قالوه لا يناسب سياق الآية ولا يرتبط هذا المعنى بالآية ، بل الهدف من الآية نفي الشرك ، أي جعل
__________________
(١) بحثنا مسألة (الشفاعة في نظر القرآن والحديث) بحثا مفصلا في ذيل الآية (٤٨) من سورة البقرة وحول حقيقة (التوسل) في ذيل الآية (٣٥) من سورة المائدة.