السياق ... ثمّ تبع ذلك ذكر الهداية ، الهداية العقلية والفطرية (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) ، ويشمل التعبير أيضا «الهداية التشريعية» التي ينهض بمسؤوليتها الأنبياء والأولياء.
نعم ... لقد أنعم الله على الإنسان بالبصر والبصيرة ، وأنعم عليه بهداية الإرشاد إلى الطريق والتحذير من مغبة الانحراف عنه ، كي تكتمل الحجّة على الإنسان.
ومع كلّ هذه النعم ، نعم الهداية ، لو انحرف الإنسان عن جادة الحقّ ، فلا يلومنّ إلّا نفسه.
عبارة (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) إضافة لما لها من مدلول على مسألة الإختيار وحرية الإنسان ، تدلّ أيضا على ما يتطلبه طريق الخير من جهد وعناء ، لأنّ «النجد» مكان مرتفع وتسلق المكان المرتفع يتطلب كدا وسعيا وجهدا ، غير أن طريق الشرّ له مشاكله ومصاعبه أيضا ، فأولى بالإنسان أن يبذل الجهد والسعى على طريق الخير.
مع ذلك ، فانتخاب الطريق بيد الإنسان ... الإنسان هو الذي يتحكم في عينه ولسانه فيم يستعملها ... في الحلال أو الحرام ، وهو الذي يختار إحدى الجادتين «الخير» أو «الشر».
وفي الحديث القدسي أن الله سبحانه يخاطب أبناء آدم يقول : «يا ابن آدم إنّ نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق ، وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق ...» (١).
فالله سبحانه منح هذه النعم ، ومنح وسائل السيطرة عليها ، وتلك من الألطاف الإلهية الكبرى.
والملفت للنظر أنّ الآيات التي نحن بصددها أشارت إلى الشفتين بعد اللسان ،
__________________
(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٨١.