ولو كان المراد من النفس الروح والجسم معا ، فالتسوية تشمل أيضا ما في البدن من أنظمة وأجهزة يدرسها علم التشريح وعلم الفسلجة.
وفي القرآن الكريم وردت «نفس» بكلا المعنيين ، بمعنى الروح ، كقوله سبحانه في الآية (٤٢) من سورة الزمر : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ...) وبمعنى الجسم ، كقوله سبحانه في الآية (٣٣) من سورة القصص : (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ).
والأنسب هنا أن يكون معنى النفس هنا شاملا للمعنيين لأن قدرة الله سبحانه تتجلى في الإثنين معا.
ويلاحظ أن الآية ذكرت كلمة «نفس» نكرة وفي ذلك إشارة إلى ما في النفس من عظمة تفوق قدرة التصوّر وإلى ما يحيطها من إبهام ، يجعلها موجودا مجهولا.
وهذا ما حدا ببعض العلماء المعاصرين أن يتحدث عن الإنسان في كتابه تحت عنوان : «الإنسان ذلك المجهول».
الآية التالية تتناول أهم ظاهرة في الخليقة وتقول : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها).
نعم ، حين اكتملت خلقة الإنسان وتحقق وجوده ، علّمه الله سبحانه الواجبات والمحظورات. وبذلك أصبح كائنا مزيجا في خلقته من «الحمأ المسنون» و «نفخة من روح الله» ، ومزيجا في تعليمه من «الفجور» و «التقوى». أصبح بالتالي كائنا يستطيع أن يتسلق سلّم الكمال الإنساني ليفوق الملائكة ، ومن الممكن أن ينحط لينحدر عن مستوى الأنعام ويبلغ مرحلة (بَلْ هُمْ أَضَلُ). وهذا يرتبط بالمسير الذي يختاره الإنسان عن إرادة.
«ألهمها» من الإلهام ، وهو في الأصل بمعنى البلع والشرب ، ثمّ استعمل في إلقاء الشيء في روع الإنسان من قبل الله تعالى ، وكأن الإنسان يبتلع ذلك الشيء ويتشرّبه بجميع وجوده.