بنعمة إلهية كبرى منّ الله سبحانه بها على قريش ، وتفهيمهم أنّه لو لا لطف الله سبحانه وفضله لما بقي أثر لمكّة ولا للكعبة ولا لقريش ... لعل ذلك يكون عاملا على كبح جماح هؤلاء المغرورين ، وعلى قبول دعوة الدين المبين.
من جهة اخرى هذه الحادثة اقترنت بولادة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكانت ممهّدة للبعثة المباركة ، وإرهاصا (١) من إرهاصات بزوغ فجر الإسلام.
والقصة من ناحية ثالثة تهديد لكل طغاة العالم ، من قريش وغير قريش ؛ ليعلموا أنّهم لا يستطيعون أبدا أن يقاوموا أمام قدرة الله تعالى ، فما أجدر بهم أن يعودوا إلى رشدهم ، ويخضعوا لأمر الله ، ويستسلموا للحق والعدل.
ثمّ هي من جانب رابع تبيّن أهمية هذا البيت الكبير. الأعداء الذين استهدفوا هدم الكعبة ، ونقل مركزية هذا الحرم الإبراهيمي إلى مكان آخر ، قد واجهوا من العذاب ما أصبح عبرة للأجيال ، وما زاد من أهمية هذا المركز المقدس.
ومن جهة خامسة ، هذه الحادثة تؤكّد مشيئة الله سبحانه في جعل هذا الحرم آمنا استجابة لدعوة إبراهيم الخليل عليهالسلام.
٤ ـ حادثة تاريخية قطعية
حادثة «أصحاب الفيل» كانت من الأهمية والشهرة بين العرب بحيث جعلوها مبدأ للتاريخ. والقرآن الكريم بدأ الحديث عن القصّة بعبارة (أَلَمْ تَرَ) مخاطبا نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي لم ير هذه الحادثة. وهي دلالة اخرى على قطعية وقوع الحادثة.
أضف إلى ذلك أنّ النّبي ـ حين تلا هذه الآيات على المشركين ـ لم ينكر عليه أحد ، ولو كان أمرا مشكوكا لاعترضوا عليه ، ولسجل المؤرخون هذا الاعتراض كما سجلوا سائر الاعتراضات ؛ خاصّة وأنّ القرآن بدأ الموضوع بجملة (أَلَمْ تَرَ).
__________________
(١) «الإرهاص» ، هو المعجزة الّتي ، تسبق ظهور النّبي ، لتمهّد لدعوته. والكلمة في الأصل تعني الأساس والحجر الأوّل الذي يقام عليه البناء ، وكذلك بمعنى الاستعداد.