الصويت ، وتضاءل للحسّ ؛ نحو قولك ، اح ، اص ، اث ، إف ، إخ ، إك. فإذا قلت : يحرد ، ويصبر ويسلم ، ويثرد ، ويفتح ، ويخرج ، خفى ذلك الصويت وقلّ ، وخفّ ما كان له من الجرس عند الوقوف عليه. وقد تقدّم سيبويه فى هذا المعنى بما هو معلوم واضح. وسبب ذلك عندى أنك إذا وقفت عليه ولم تتطاول إلى النطق بحرف آخر من بعده تلبثت عليه ، ولم تسرع الانتقال عنه ، فقدرت بتلك اللّبثة ، على إتباع ذلك الصوت إيّاه. فأمّا إذا تأهّبت للنطق بما بعده ، وتهيّأت له ، ونشّمت فيه ، فقد حال ذلك بينك وبين الوقفة التى يتمكن فيها من إشباع ذلك الصويت ، فيستهلك إدراجك إيّاه طرفا من الصوت الذى كان الوقف يقرّه عليه ويسوغك إمدادك إياه به.
ونحو من هذا ما يحكى أن رجلا من العرب بايع أن يشرب علبة لبن ولا يتنحنح ؛ فلمّا شرب بعضه كدّه الأمر ، فقال : كبش أملح. فقيل له : ما هذا؟ تنحنحت. فقال : من تنحنح ، فلا أفلح. فنطق بالحاءات كلها سواكن غير متحرّكة ؛ ليكون ما يتبعها من ذلك الصويت عونا له على ما كدّه وتكاءده (١). فإذا ثبت بذلك أن الحرف الساكن حاله فى إدراجه ، مخالفة لحاله فى الوقوف عليه ، ضارع ذلك الساكن المحشوّ به المتحرك ؛ لما ذكرناه من إدراجه ؛ لأن أصل الإدراج للمتحرّك إذ كانت الحركة سببا له ، وعونا عليه ؛ ألا ترى أن حركته تنتقصه ما يتبعه من ذلك الصويت ، نحو قولك صبر ، وسلم. فحركة الحرف تسلبه الصوت الذى يسعفه الوقف به ؛ كما أن تأهبك للنطق بما بعده يستهلك بعضه. فأقوى أحوال ذلك الصويت عندك أن تقف عليه ، فتقول : اص. فإن أنت أدرجته انتقصته بعضه ، فقلت : اصبر ؛ فإن أنت حركته اخترمت الصوت البتّة ، وذلك قولك صبر. فحركة ذلك الحرف تسلبه ذلك الصوت البتة ، والوقوف عليه يمكّنه فيه ، وإدراج الساكن يبقّى عليه بعضه. فعلمت بذلك مفارقة حال الساكن المحشوّ به ، لحال أوّل الحرف وآخره ، فصار الساكن المتوسّط لما ذكرنا كأنه لا ساكن ولا متحرّك ، وتلك حال تخالف حالى ما قبله وما بعده ، وهو الغرض الذى أريد منه ، وجيء به من أجله ؛ لأنه لا يبلغ حركة ما قبله ، فيجفو تتابع المتحركين ، ولا
__________________
(١) يقال : تكاءده الأمر : شقّ عليه.