فإنه ليس بأصل ، إنما أبدلت الضاد من اضطجع لاما ؛ فاعرفه.
فقد عرفت إذا أنّ ما أهمل من الثلاثيّ لغير قبح التأليف ، نحو ضث ، وثضّ ، وثذّ ، وذثّ ، إنما هو لأن محله من الرباعى محل الرباعى من الخماسى ؛ فأتاه ذلك القدر من الجمود ، من حيث ذكرنا ؛ كما أتى الخماسىّ ما فيه من التصرف فى التكسير ، والتحقير ، والترخيم ، من حيث كان محلّه من الرباعى محلّ الرباعىّ من الثلاثيّ. وهذا عادة للعرب مألوفة ، وسنة مسلوكة : إذا أعطوا شيئا من شيء حكما ما قابلوا ذلك بأن يعطوا المأخوذ منه حكما من أحكام صاحبه ؛ عمارة لبينهما ، وتتميما للشبه الجامع لهما. وعليه باب ما لا ينصرف ؛ ألا تراهم لما شبّهوا الاسم بالفعل فلم يصرفوه ؛ كذلك شبهوا الفعل بالاسم فأعربوه.
وإذ قد ثبت ما أردناه : من أن الثلاثى فى الإهمال محمول على حكم الرباعى فيه ، لقربه من الخماسى ، بقى علينا أن نورد العلّة التى لها استعمل بعض الأصول من الثلاثى ، والرباعى ، والخماسى ، دون بعض ، وقد كانت الحال فى الجميع متساوية. والجواب عنه ما أذكره.
اعلم أن واضع اللغة لمّا أراد صوغها ، وترتيب أحوالها ، هجم بفكره على جميعها ، ورأى بعين تصوّره وجوه جملها وتفاصيلها ، وعلم أنه لا بدّ من رفض ما شنع تألّفه منها ، نحو هع ، وقج ، وكق ، فنفاه عنه نفسه ، ولم يمرره بشىء من لفظه ، وعلم أيضا أن ما طال وأملّ بكثرة حروفه لا يمكن فيه من التصرف ما أمكن فى أعدل الأصول وأخفّها ، وهو الثلاثى. وذلك أن التصرف فى الأصل وإن دعا إليه قياس ـ وهو الاتساع به فى الأسماء ، والأفعال ، والحروف ـ فإن هناك من وجه آخر ناهيا عنه ، وموحشا منه ، وهو أن فى نقل الأصل إلى أصل آخر نحو صبر ، وبصر ، وصرب ، وربص ، صورة الإعلال ، نحو قولهم «ما أطيبه وأيطبه» «واضمحلّ وامضحلّ» «وقسىّ وأينق» وقوله :
__________________
الحاجب ٣ / ٢٢٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٧٤ ، وشرح المفصل ٩ / ٨٢ ، ١٠ / ٤٦. ولسان العرب ـ (أبز) ، (أرط) ، (ضجع) ، (رطا) ، والمحتسب ١ / ١٠٧ ، والممتع فى التصريف ١ / ٤٠٣ ، والمنصف ٢ / ٣٢٩. ويروى : أرطاة بدلا من أرطاء. وصدر البيت :
* لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع*