أنه جمع لا واحد له.
ثم لنعد فنقول : إنهم إذا كانوا فى حال إكثارهم وتوكيدهم مستوحشين منه ، مصانعين عنه علم أنهم إلى الإيجاز أميل ، وبه أعنى ، وفيه أرغب ؛ ألا ترى إلى ما فى القرآن وفصيح الكلام : من كثرة الحذوف ، كحذف المضاف ، وحذف الموصوف ، والاكتفاء بالقليل من الكثير ، كالواحد من الجماعة ، وكالتلويح من التصريح. فهذا ونحوه ـ مما يطول إيراده وشرحه ـ مما يزيل الشّك عنك فى رغبتهم فيما خفّ وأوجز ، عما طال وأمل ، وأنهم متى اضطرّوا إلى الإطالة لداعى حاجة ، أبانوا عن ثقلها عليهم ، واعتدّوا بما كلّفوه من ذلك أنفسهم ، وجعلوه كالمنبهة على فرط عنايتهم ، وتمكّن الموضع عندهم ، وأنه ليس كغيره مما ليست له حرمته ، ولا النفس معنيّة به.
نعم ، ولو لم يكن فى الإطالة فى بعض الأحوال إلا الخروج إليها عما قد ألف وملّ من الإيجاز لكان مقنعا.
ألا ترى إلى كثرة غلبة الياء على الواو فى عامّ الحال ، ثمّ مع هذا فقد ملّوا ذلك إلى أن قلبوا الياء واوا قلبا ساذجا ، أو كالساذج لا لشيء أكثر من الانتقال من حال إلى حال ؛ فإنّ المحبوب إذا كثر ملّ ؛ وقد قال النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «يا أبا هريرة زر غبّا تزدد حبّا» (١) والطريق فى هذا بحمد الله واضحة مهيع. وذلك الموضع الذى قلبت فيه الياء واوا على ما ذكرنا لام فعلى إذا كانت اسما من نحو : الفتوى ، والرعوى ، والثنوى ، والبقوى ، والتقوى ، والشروى (٢) ، والعوّى «لهذا النجم».
وعلى ذلك أو قريب منه قالوا : عوى الكلب عوّة. وقالوا : الفتوّة ، وهى من الياء ، وكذلك النّدوّة. وقالوا : هذا أمر ممضوّ عليه ، وهى المضواء ؛ وإنما هى من مضيت لا غير.
__________________
(١) «صحيح» : أخرجه البزار والطبرانى فى الأوسط والبيهقى ، عن أبى هريرة ، والبزار والبيهقى أيضا عن أبى ذر ، وقد جاء من غير وجه ، انظر صحيح الجامع (ح ٣٥٦٨).
(٢) الرعوى : بمعنى المراعاة والحفظ. والثنوى : اسم من الاستثناء. والبقوى : اسم بمعنى الإبقاء. والشروى : المثل. وقد جعل المؤلف الإبدال فى هذا الباب ساذجا أو كالساذج ، وإن كان للفرق بين الاسم والصفة لما كان غير مبنى على الاستثقال والاستخفاف الذى هو الأصل فى حديث الإعلال. (نجار).