وعلّة امتناع ذلك عندى أنه قد ثبت أن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ؛ فلو التقت ألفان مدّتان لانتقضت القضية فى ذلك ؛ ألا ترى أن الألف الأولى قبل الثانية ساكنة ، وإذا كان ما قبل الثانية ساكنا كان ذلك نقضا فى الشرط لا محالة.
فأمّا قول أبى العباس فى إنشاد سيبويه :
* دار لسعدى إذه من هواكا (١) *
إنه خرج من باب الخطأ إلى باب الإحالة ؛ لأن الحرف الواحد لا يكون ساكنا متحرّكا فى حال (٢) ، فخطأ عندنا. وذلك أن الذى قال : «إذه من هواك» هو الذى يقول فى الوصل : هى قامت ، فيسكّن الياء ، وهى لغة معروفة ، فإذا حذفها فى الوصل اضطرارا واحتاج إلى الوقف ردّها حينئذ فقال : هى ، فصار الحرف المبدوء به غير الموقوف عليه ، فلم يجب من هذا أن يكون ساكنا متحرّكا فى حال ، وإنما كان قوله «إذه» على لغة من أسكن الياء لا على لغة من حرّكها ، من قبل أن الحذف ضرب من الإعلال ، والإعلال إلى السواكن لضعفها أسبق منه إلى المتحرّكات لقوتها. وعلى هذا قبح قوله :
لم يك الحقّ سوى أن هاجه |
|
رسم دار قد تعفّى بالسرر (٣) |
لأنه موضع يتحرّك فيه الحرف فى نحو قولك : لم يكن الحق.
__________________
(١) الرجز بلا نسبة فى الإنصاف ص ٦٨٠ ، وخزانة الأدب ٢ / ٦ ، ٨ / ١٣٨ ، ٩ / ٤٨٣ ، ٥ / ٦٤ ، والدرر ١ / ١٨٨ ، ورصف المبانى ص ١٧ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣٤٧ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٨٣ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٩٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٩٧ ، والكتاب ١ / ٢٧ ، ولسان العرب (هيا) وهمع الهوامع ١ / ٦١ ، وتاج العروس (هوا) ، (ها).
(٢) يريد أن بقاء الضمير المنفصل على حرف واحد يعرضه للسكون عند الوقف عليه والتحريك عند البدء به ، وهو عرضة للبدء مع الوقف دائما ؛ فمن هنا جاءت الاستحالة التى زعمها المبرد. ويردّ ابن جنى على المبرد بأن الوقف يقضى بردّ المحذوف ؛ فيكون الوقف عليه وتسكينه ، فأمّا الحرف الباقى فلا يعرض له السكون. (نجار).
(٣) البيت من الرمل ، وهو لحسين (أو الحسن كما فى لسان العرب) ابن عرفطة فى خزانة الأدب ٩ / ٣٠٤ ، ٣٠٥ ، والدرر ٢ / ٩٤ ، ولسان العرب (كون) ، ونوادر أبى زيد ص ٧٧ ، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ٢٦٨ ، والدرر ٦ / ٢١٧ ، وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٤٤٠ ، ٥٤٠ ، والمنصف ٢ / ٢٢٨ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٢ ، ١٥٦. ويروى : تعفت بدلا من : تعفّى.