باب فى تقاود (١) السماع وتقارع الانتزاع
هذا الموضع كأنه أصل الخلاف الشاجر بين النحويين. وسنفرد له بابا. غير أنّا نقدم هاهنا ما كان لائقا به ، ومقدّمة للقول من بعده. وذلك على أضرب :
فمنها أن يكثر الشىء فيسأل عن علّته ؛ كرفع الفاعل ، ونصب المفعول ، فيذهب قوم إلى شيء ، ويذهب آخرون إلى غيره. فقد وجب إذا تأمّل القولين واعتماد أقواهما ، ورفض صاحبه. فإن تساويا فى القوّة لم ينكر اعتقادهما جميعا ؛ فقد يكون الحكم الواحد معلولا بعلّتين. وسنفرد لذلك بابا. وعلى هذا معظم قوانين العربية. وأمره واضح ، فلا حاجة بنا إلى الإطالة فيه.
ومنها أن يسمع الشىء ، فيستدلّ به من وجه على تصحيح شيء أو إفساد غيره ، ويستدلّ به من وجه آخر على شيء غير الأوّل. وذلك كقولك : ضربتك ، وأكرمته ، ونحو ذلك مما يتصل فيه الضمير المنصوب بالضمير قبله المرفوع. فهذا موضع يمكن أن يستدلّ به على شدّة اتصال الفعل بفاعله.
ووجه الدلالة منه على ذلك أنهم قد أجمعوا على أن الكاف فى نحو ضربتك من الضمير المتصل ، كما أن الكاف فى نحو ضربك زيد كذلك ، ونحن نرى الكاف فى ضربتك لم تباشر نفس الفعل ، كما باشرته فى نحو ضربك زيد ، وإنما باشرت الفاعل الذى هو التاء ، فلو لا أن الفاعل قد مزج بالفعل ، وصيغ معه ، حتى صار جزءا من جملته ، لما كانت الكاف من الضمير المتصل ، ولاعتدّت لذلك منفصلة لا متصلة. لكنهم أجروا التاء التى هى ضمير الفاعل فى نحو ضربتك ـ وإن لم تكن من نفس حروف الفعل ـ مجرى نون التوكيد التى يبنى الفعل عليها ، ويضمّ إليها ، فى نحو لأضربنّك. فكما أنّ الكاف فى نحو هذا معتدّة من الضمير المتصل وإن لم تل نفس الفعل ، كذلك الكاف فى نحو ضربتك ضمير متصل وإن
__________________
(١) تقاود السماع : اطراده فى شيء ، وعدم اختلافه فيه ؛ كرفع الفاعل : اتفق السماع فيه. وتقارع الانتزاع : تخالفه وتغايره ، من قولهم : تقارع القوم : تضاربوا بالسيوف. والانتزاع : الاستنباط. (نجار).