والآخر إطباق النحويين على أن يقولوا فى نحو هذا : إن الضمير قد خرج عن الفعل ، وانفصل من الفعل ؛ وهذا تصريح منهم بأنه متصل أى متصل بالباء العاملة فيه ، فلو كانت التاء فى ضربتك هى العاملة فى الكاف ، لفسد ذلك ؛ من قبل أن أصل عمل النصب إنما هو للفعل ، وغيره من النواصب مشبه فى ذلك بالفعل ، والضمير بالإجماع أبعد شيء عن الفعل ؛ من حيث كان الفعل موغلا فى التنكير ، والاسم المضمر متناه فى التعريف. بل إذا لم يعمل الضمير فى الظرف ولا فى الحال ـ وهما مما تعمل فيه المعانى ـ كان الضمير من نصب المفعول به أبعد ، وفى التقصير عن الوصول إليه أقعد. وأيضا فإنك تقول : زيد ضرب عمرا ، والفاعل مضمر فى نفسك ، لا موجود فى لفظك ، فإذا لم يعمل المضمر ملفوظا به ، كان ألا يعمل غير ملفوظ به أحرى وأجدر.
وأمّا الاستدلال بنحو ضربتك على شيء غير الموضعين المتقدّمين ، فأن يقول قائل : إنّ الكاف فى نحو ضربتك منصوبة بالفعل والفاعل جميعا ، ويقول : إنه متصل بهما كاتصاله بالعامل فيه فى نحو إنك قائم ونظيره. وهذا أيضا وإن كان قد ذهب إليه هشام فإنه عندنا فاسد من أوجه :
أحدها أنه قد صحّ ووضح أن الفعل والفاعل قد تنزّلا باثنى عشر دليلا منزلة الجزء الواحد ، فالعمل إذا إنما هو للفعل وحده ، واتصل به الفاعل فصار جزءا منه ؛ كما صارت النون فى نحو لتضربنّ زيدا كالجزء منه ، حتى خلط بها ، وبنى معها.
ومنها أن الفعل والفاعل إنما هو معنى ، والمعانى لا تعمل فى المفعول به ، إنما تعمل فى الظروف.
ومن ذلك أن تستدلّ بقول ضيغم (١) الأسدىّ :
إذا هو لم يخفنى فى ابن عمى |
|
ـ وإن لم ألقه ـ الرجل الظلوم (٢) |
على جواز ارتفاع الاسم بعد إذا الزمانية بالابتداء ؛ ألا ترى أن «هو» من قوله
__________________
(١) فى اللسان (ضغم) «وضيغم : من شعرائهم : قال ابن جنّى : هو ضيغم الأسدىّ».
(٢) البيت من الوافر ، وهو لضيغم الأسدى فى لسان العرب (ظلم). وتاج العروس (ظلم).