وهذا لا نكير له فى وجوبه لسكون عينه
نعم وقد دعاهم إيثارهم لتشبيه الأشياء بعضها ببعض أن حملوا الأصل على الفرع ؛ ألا تراهم يعلّون المصدر لإعلال فعله ، ويصحّحونه لصحّته. وذلك نحو قولك : قمت قياما ، وقاومت قواما. فإذا حملوا الأصل الذى هو المصدر على الفرع الذى هو الفعل ، فهل بقى فى وضوح الدلالة على إيثارهم تشبيه الأشياء المتقاربة بعضها ببعض شبهة!
وعلى ذلك أيضا عوّضوا فى المصدر ما حذفوه فى الفعل ؛ فقالوا : أكرم يكرم ، فلمّا حذفوا الهمزة فى المضارع أثبتوها فى المصدر ، فقالوا : الإكرام ؛ فدلّ هذا على أن هذه المثل كلّها جارية مجرى المثال الواحد ؛ ألا تراهم لمّا حذفوا ياء فرازين (١) ، عوّضوا منها الهاء فى نفس المثال فقالوا فرازنة. وكذلك لمّا حذفوا فاء عدة ، عوّضوا منها نفسها التاء وكذلك أينق (٢) فى أحد قولى سيبويه فيها : لمّا حذفوا عينها عوّضوا منها الياء فى نفس المثال.
فدلّ هذا وغيره ممّا يطول تعداده على أن المثال والمصدر واسم الفاعل كلّ واحد منها يجرى عندهم ، وفى محصول اعتدادهم مجرى الصورة الواحدة ؛ حتى إنه إذا لزم فى بعضها شيء لعلّة ما أوجبوه فى الآخر ، وإن عرى فى الظاهر من تلك العلّة ، فأمّا فى الحقيقة فكأنها فيه نفسه ؛ ألا ترى أنه إذا صحّ أنّ جميع هذه الأشياء على اختلاف أحوالها تجرى عندهم مجرى المثال الواحد ، فإذا وجب فى شيء منها حكم فإنه لذلك كأنه أمر لا يخصّه من بقيّة الباب ، بل هو جار فى
__________________
ـ العروس (رتع) ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٤٢٤ ، والمخصص ٨ / ٣٦ ، والمنصف ١ / ٣٤٩. ويروى تراعى بدلا من : يراعى. وصدر البيت :
* فظل يأكل منها وهى راتعة*
(١) فرزان : من لعب الشّطرنج ، أعجمىّ معرّب ، وجمعه فرازين. اللسان (فرزن).
(٢) أينق : الياء فى أينق عوض من الواو أونق فيمن جعلها أيفلا ؛ ومن جعلها أعفلا فقدم العين مغيّرة إلى الياء جعلها بدلا من الواو ، فالبدل أعم تصرفا من العوض ، إذ كل عوض بدل وليس كل بدل عوضا. وذهب سيبويه فى قولهم أينق مذهبين : أحدهما أن تكون عين أينق قلبت إلى قبل الفاء فصارت فى التقدير أونق ثم أبدلت الواو ياء لأنها كما أعلت بالقلب كذلك أعلت أيضا بالإبدال ، والآخر أن تكون العين حذفت ثم عوّضت الياء منها قبل الفاء. اللسان (نوق).