باب فى تعارض السماع والقياس
إذا تعارضا نطقت بالمسموع على ما جاء عليه ، ولم تقسه فى غيره ؛ وذلك نحو قول الله تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) [المجادلة : ١٩] فهذا ليس بقياس ؛ لكنه لا بدّ من قبوله ؛ لأنك إنما تنطق بلغتهم ، وتحتذى فى جميع ذلك أمثلتهم. ثم إنك من بعد لا تقيس عليه غيره ؛ ألا تراك لا تقول فى استقام : استقوم ، ولا فى استباع : استبيع.
فأمّا قولهم «استنوق الجمل» و «استتيست الشاة» و «استفيل الجمل» فكأنه أسهل من استحوذ ؛ وذلك أن استحوذ قد تقدّمه الثلاثى معتلا ؛ نحو قوله :
يحوذهنّ وله حوذىّ |
|
كما يحوذ الفئة الكمىّ (١) |
ـ يروى بالذال والزاى : يحوذهن ويحوزهن ـ فلما كان استحوذ خارجا عن معتلّ : أعنى حاذ يحوذ ، وجب إعلاله ؛ إلحاقا فى الإعلال به. وكذلك باب أقام ، وأطال ، واستعاذ ، واستزاد ، مما يسكن ما قبل عينه فى الأصل ؛ ألا ترى أن أصل أقام أقوم ، وأصل استعاذ استعوذ ، فلو أخلينا وهذا اللفظ لاقتضت الصورة تصحيح العين لسكون ما قبلها ؛ غير أنه لمّا كان منقولا ومخرجا من معتلّ ـ هو قام ، وعاذ ـ أجرى أيضا فى الإعلال عليه. وليس كذلك «استنوق الجمل» و «استتيست الشاة» لأن هذا ليس منه فعل معتلّ ؛ ألا تراك لا تقول : ناق ولا تاس ؛ إنما الناقة والتيس اسمان لجوهر ، لم يصرّف منهما فعل معتلّ. فكان خروجهما على الصّحة أمثل منه فى باب استقام واستعاذ. وكذلك استفيل.
__________________
(١) الرجز للعجاج فى ديوانه ص ١ / ٥٢٤ ، ولسان العرب (حوز) ، ومقاييس اللغة ٢ / ١١٥ ، ١١٨ ، ومجمل اللغة ٢ / ١١٧ ، وتهذيب اللغة ٥ / ١١٧ ، ٢٠٧ ، وجمهرة اللغة ص ٥٣٠ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (حوذ) ، وتاج العروس (حوذ) ، (حوز) ، وكتاب العين ٤ / ٢٧٥ ، والمخصص ٧ / ١٠٣ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٤٨. الحوذ والحوز : السوق السريع ، والحوذى والحوزىّ : السائق الخفيف والبيت يصف ثورا وكلابا ، وكان أبو عبيدة يروى رجز العجاج حوذىّ ، بالذال ، والمعنى واحد ، يعنى به الثور أنه يطرد الكلاب وله طارد من نفسه يطرده من نشاطه وحدّه.