باب فى تخصيص العلل (١)
اعلم أن محصول مذهب أصحابنا ومتصرّف أقوالهم مبنىّ على جواز تخصيص العلل. وذلك أنها وإن تقدّمت علل الفقه فإنها أو أكثرها إنما تجرى مجرى التخفيف والفرق ، ولو تكلّف متكلّف نقضها لكان ذلك ممكنا ، ـ وإن كان على غير قياس ـ ومستثقلا ؛ ألا تراك لو تكلّفت تصحيح فاء ميزان ، وميعاد ، لقدرت على ذلك ، فقلت : موزان ، وموعاد. وكذلك لو آثرت تصحيح فاء موسر ، وموقن ، لقدرت على ذلك فقلت : ميسر ، وميقن. وكذلك لو نصبت الفاعل ، ورفعت المفعول ، أو ألغيت العوامل : من الجوارّ ، والنواصب ، والجوازم ، لكنت مقتدرا على النطق بذلك ، وإن نفى القياس تلك الحال. وليست كذلك علل المتكلّمين ؛ لأنها لا قدرة على غيرها ؛ ألا ترى أن اجتماع السواد والبياض فى محلّ واحد ممتنع لا مستكره ، وكون الجسم متحرّكا ساكنا فى حال واحدة فاسد. لا طريق إلى ظهوره ، ولا إلى تصوّره. وكذلك ما كان من هذا القبيل. فقد ثبت بذلك تأخّر علل النحويين عن علل المتكلمين ، وإن تقدّمت علل المتفقّهين. ثم اعلم من بعد هذا أن علل النحويين على ضربين :
أحدهما ما لا بدّ منه ، فهو لا حق بعلل المتكلمين ، وهو قلب الألف واوا لانضمام ما قبلها ، وياء لانكسار ما قبلها ؛ نحو ضورب ، وقراطيس ، وقد تقدّم ذكره. ومن ذلك امتناع الابتداء بالساكن ؛ وقد تقدّم ما فيه.
ثم يبقى النظر فيما بعد ، فنقول : إن هذه العلل التى يجوز تخصيصها ، كصحة الواو إذا اجتمعت مع الياء ، وسبقت الأولى منهما بالسكون ؛ نحو حيوة ، وعوى الكلب عوية ، ونحو صحّة الواو ، والياء ، فى نحو غزوا ، ورميا ، والنزوان ، والغليان ، وصحّة الواو فى نحو اجتوروا ، واعتونوا ، واهتوشوا ، إنما اضطرّ القائل
__________________
(١) تخصيص العلة : هو تخلف الحكم عن الوصف المدّعى عليه فى بعض الصور لمانع ، فيقال : الاستحسان ليس من باب خصوص العلل يعنى ليس بدليل مخصص للقياس بل عدم حكم القياس لعدم العلة. التعريفات ص ٥٤.