باب فى الرد على من اعتقد فساد علل النحويين
لضعفه هو فى نفسه عن إحكام العلة
اعلم أن هذا الموضع هو الذى يتعسّف بأكثر من ترى. وذلك أنه لا يعرف أغراض القوم ، فيرى لذلك أن ما أوردوه من العلّة ضعيف واه ساقط غير متعال.
وهذا كقولهم : يقول النحويّون إن الفاعل رفع ، والمفعول به نصب ، وقد ترى الأمر بضدّ ذلك ؛ ألا ترانا نقول : ضرب زيد فنرفعه وإن كان مفعولا به ، ونقول : إنّ زيدا قام فننصبه وإن كان فاعلا ، ونقول : عجبت من قيام زيد فنجرّه وإن كان فاعلا ، ونقول أيضا : قد قال الله عزوجل : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) [البقرة : ١٤٩ ، ١٥٠] فرفع (حيث) وإن كان بعد حرف الخفض. ومثله عندهم فى الشناعة قوله ـ عزوجل ـ (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] وما يجرى هذا المجرى.
ومثل هذا يتعب مع هذه الطائفة ، لا سيّما إذا كان السائل [عنه] من يلزم الصبر عليه. ولو بدأ الأمر بإحكام الأصل لسقط عنه هذا الهوس وذا اللغو ؛ ألا ترى أنه لو عرف أن الفاعل عند أهل العربيّة ليس كلّ من كان فاعلا فى المعنى ، وأن الفاعل عندهم إنما هو كلّ اسم ذكرته بعد الفعل وأسندت ونسبت ذلك الفعل إلى ذلك الاسم ، وأن الفعل الواجب وغير الواجب فى ذلك سواء ، لسقط صداع هذا المضعوف السؤال.
وكذلك القول على المفعول أنه إنما ينصب إذا أسند الفعل إلى الفاعل ، فجاء هو فضلة ، وكذلك لو عرف أن الضمّة فى نحو حيث وقبل وبعد ليست إعرابا وإنما هى بناء.
وإنما ذكرت هذا الظاهر الواضح ليقع الاحتياط فى المشكل الغامض. وكذلك ما يحكى عن الجاحظ من أنه قال : قال النحويون : إن أفعل الذى مؤنّثه فعلى لا يجتمع فيه الألف واللام ومن ، وإنما هو بمن أو بالألف واللام ؛ نحو قولك : الأفضل وأفضل منك ، والأحسن وأحسن من جعفر ، ثم قال : وقد قال الأعشى :