باب القول على إجماع أهل العربية متى يكون حجة؟
اعلم أن إجماع أهل البلدين إنما يكون حجّة إذا أعطاك خصمك يده ألا يخالف المنصوص. والمقيس على المنصوص ، فأمّا إن لم يعط يده بذلك فلا يكون إجماعهم حجّة عليه. وذلك أنه لم يرد ممن يطاع أمره فى قرآن ولا سنّة أنهم لا يجتمعون على الخطأ ؛ كما جاء النصّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من قوله : «أمّتى لا تجتمع على ضلالة» (١) وإنما هو علم منتزع من استقراء هذه اللغة. فكلّ من فرق له عن علّة صحيحة ، وطريق نهجة كان خليل نفسه ، وأبا عمرو فكره.
إلا أننا ـ مع هذا الذى رأيناه وسوّغنا مرتكبه ـ لا نسمح له بالإقدام على مخالفة الجماعة التى قد طال بحثها ، وتقدّم نظرها ، وتتالت أواخر على أوائل ، وأعجازا على كلاكل ، والقوم الذين لا نشكّ فى أن الله ـ سبحانه وتقدّست أسماؤه ـ قد هداهم لهذا العلم الكريم ، وأراهم وجه الحكمة فى الترجيب له والتعظيم ، وجعله ببركاتهم ، وعلى أيدى طاعاتهم ، خادما للكتاب المنزل ، وكلام نبيه المرسل ، وعونا على فهمهما ؛ ومعرفة ما أمر به ، أو نهى عنه الثّقلان منهما ، إلا بعد أن يناهضه إتقانا ، ويثابته عرفانا ، ولا يخلد إلى سانح خاطره ، ولا إلى نزوة من نزوات تفكّره. فإذا هو حذا على هذا المثال ، وباشر بإنعام تصفّحه أحناء الحال ، أمضى الرأى فيما يريه الله منه ، غير معازّ به ، ولا غاضّ من السّلف ـ رحمهمالله ـ فى شيء منه. فإنه إذا فعل ذلك سدّد رأيه. وشيّع خاطره ، وكان بالصواب مئنّة ، ومن التوفيق مظنّة ، وقد قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : ما على الناس شيء أضرّ من قولهم : ما ترك الأوّل للآخر شيئا. وقال أبو عثمان المازنىّ : «وإذا قال العالم قولا متقدّما فللمتعلّم الاقتداء به (والانتصار له) ، (والاحتجاج) لخلافه ، إن وجد إلى ذلك سبيلا» وقال الطائى الكبير :
__________________
(١) ذكره الحافظ فى «التلخيص» ، (٣ / ١٤١) ، وقال : «هذا حديث مشهور له طرق كثيرة ، لا يخلو واحد منها من مقال ، منها لأبى داود عن أبى مالك الأشعرى مرفوعا : ... وفى إسناده انقطاع ، وللترمذى والحاكم عن ابن عمر مرفوعا ... وفيه سليمان بن شعبان المدنى ، وهو ضعيف ـ وأخرج الحاكم له شواهد ..».