باب فى الدور ، والوقوف منه على أول رتبة
هذا موضع كان أبو حنيفة ـ رحمهالله ـ يراه ويأخذ به. وذلك أن تؤدّى الصنعة إلى حكم ما ، مثله مما يقتضى التغيير ؛ فإن أنت غيرت صرت أيضا إلى مراجعة مثل ما منه هربت. فإذا حصلت على هذا وجب أن تقيم على أوّل رتبة ، ولا تتكلّف عناء ولا مشقّة. وأنشدنا أبو علىّ ـ رحمهالله ـ غير دفعة بيتا مبنى معناه على هذا ، وهو :
رأى الأمر يفضى إلى آخر |
|
فصيّر أخره أوّلا |
وذلك كأن تبنى من قويت مثل رسالة فتقول على التذكير : قواءة ، وعلى التأنيث : قواوة ، ثم تكسّرها على حدّ قول الشاعر :
موالى حلف لا موالى قرابة |
|
ولكن قطينا يحلبون الأتاويا (١) |
ـ جمع إتاوة ـ ، فيلزمك أن تقول حينئذ : قواو ، فتجمع بين واوين مكتنفتى ألف التكسير ، ولا حاجز بين الأخيرة منهما وبين الطّرف.
ووجه ذلك أن الذى قال (الأتاويا) إنما أراد جمع إتاوة ، وكان قياسه أن يقول : أتاوى ؛ كقوله فى علاوة ، وهراوة : علاوى ، وهراوى ؛ غير أنّ هذا الشاعر سلك طريقا أخرى غير هذه. وذلك أنه لما كسّر إتاوة حدث فى مثال التكسير همزة بعد ألفه بدلا من ألف فعالة ؛ كهمزة رسائل وكنائن ، فصار التقدير به إلى أتاء ، ثم تبدل من كسرة الهمزة فتحة ؛ لأنها عارضة فى الجمع ، واللام معتلّة كباب مطايا ، وعطايا ، فتصير حينئذ إلى أتاءى ، ثم تبدل من الياء ألفا فتصير إلى أتاء ، ثم تبدل من الهمزة واوا ؛ لظهورها لاما فى الواحد ؛ فتقول : أتاوى كعلاوى. وكذا تقول العرب فى تكسير إتاوة : أتاوى. غير أنّ هذا الشاعر لو فعل ذلك لأفسد قافيته ،
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للجعدى فى ديوانه ص ١٧٨ ، ولسان العرب (أتى) ، (ولى) ، وتاج العروس (أتى) ، (حلب) ، (ولى) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (حلب) ، وديوان الأدب ٣ / ٢٢٤. وفيه يسألون الأتاويا» بدل «يحلبون الأتاويا» أى هم خدم يسألون الخراج ، وهو الإتاوة. وانظر اللسان (أتى).