فاحتاج إلى إقرار الكسرة بحالها لتصحّ بعدها الياء التى هى روىّ القافية ؛ كما معها من القوافى التى هى (الروابيا) و (الأدانيا) ونحو ذلك ؛ فلم يستجز أن يقرّ الهمزة العارضة فى الجمع بحالها ؛ إذ كانت العادة فى هذه الهمزة أن تعلّ وتغيّر إذا كانت اللام معتلّة ، فرأى إبدال همزة أتاء واوا ؛ ليزول لفظ الهمزة التى من عادتها فى هذا الموضع أن تعلّ ولا تصحّ لما ذكرنا ، فصار (الأتاويا).
وكذلك قياس فعالة من القوّة إذا كسّرت أن تصير بها الصنعة إلى قواء ، ثم تبدل من الهمزة الواو ؛ كما فعل من قال (الأتاويا) فيصير اللفظ إلى قواو. فإن أنت استوحشت من اكتناف الواوين لألف التكسير على هذا الحدّ وقلت : أهمز كما همزت فى أوائل لزمك أن تقول : قواء ؛ ثم يلزمك ثانيا أن تبدل من هذه الهمزة الواو على ما مضى من حديث (الأتاويا) فتعاود أيضا قواو ، ثم لا تزال بك قوانين الصنعة إلى أن تبدل من الهمزة الواو ، ثم من الواو الهمزة ، ثم كذلك ، ثم كذلك إلى ما لا غاية. فإذا أدّت الصنعة إلى هذا ونحوه وجبت الإقامة على أوّل رتبة منه ، وألا تتجاوز إلى أمر تردّ بعد إليها ، ولا توجد سبيلا ولا منصرفا عنها.
فإن قلت : إن بين المسألتين فرقا. وذلك أن الذى قال (الأتاويا) إنما دخل تحت هذه الكلفة ، والتزم ما فيها من المشقّة ، وهى ضرورة واحدة ، وأنت إذا قلت فى تكسير مثال فعالة من القوّة : قواو قد التزمت ضرورتين : إحداهما إبدالك الهمزة الحادثة فى هذا المثال واوا على ضرورة (الأتاويا) ، والأخرى كنفك الألف بالواوين مجاورا آخرهما الطرف ؛ فتانك ضرورتان ، وإنما هى فى (الأتاويا) واحدة. وهذا فرق ، يقود إلى اعتذار وترك.
قيل : هذا ساقط ، وذلك أن نفس السؤال قد كان ضمن ما يلغى هذا الاعتراض ؛ ألا ترى أنه كان : كيف يكسّر مثال فعالة من القوة على قول من قال (الأتاويا)؟ والذى قال ذلك كان قد أبدل من الهمزة العارضة فى الجمع واوا ، فكذلك فأبدلها أنت أيضا فى مسألتك. فأمّا كون ما قبل الألف واوا أو غير ذلك من الحروف ، فلم يتضمّن السؤال ذكرا له ، ولا عيجا (١) به ، فلا يغنى إذا ذكره ،
__________________
(١) العيج : شبه الاكتراث ، قال ابن سيده : ما عاج يقوله عيجا وعيجوجة : لم يكترث له أو لم يصدّقه. اللسان (عيج).