يعتبر سيبويه. ويدلّ على صحّة ذلك أن مثال الفعللة لا زيادة فيه ، فهو بفعلل أشبه من مثال الفعلال ، والاعتبار بالأصول أشبه منه وأوكد منه بالفروع.
فإن قلت : ففى الفعللة الهاء زائدة ، قيل : الهاء فى غالب أمرها وأكثر أحوالها غير معتدّة ، من حيث كانت فى تقدير المنفصلة.
فإن قيل : فقد صحّ إذا أن فاعل ، وأفعل ، وفعّل ـ وإن كانت بوزن دحرج ـ غير ملحقة به ، فلم لم تلحق به؟ قيل : العلّة فى ذلك أن كلّ واحد من هذه المثل جاء لمعنى. فأفعل للنقل وجعل الفاعل مفعولا ؛ نحو دخل ، وأدخلته ، وخرج ، وأخرجته. ويكون أيضا للبلوغ ؛ نحو أحصد الزرع ، وأركب المهر ، وأقطف الزرع ، ولغير ذلك من المعانى. وأمّا فاعل فلكونه من اثنين فصاعدا ؛ نحو ضارب زيد عمرا ، وشاتم جعفر بشرا. وأما فعّل فللتكثير ؛ نحو غلّق الأبواب ، وقطّع الحبال ، وكسّر الجرار.
فلمّا كانت هذه الزوائد فى هذه المثل إنما جيء بها للمعانى خشوا إن هم جعلوها ملحقة بذوات الأربعة أن يقدّر أن غرضهم فيها إنما هو إلحاق اللفظ باللفظ ؛ نحو شملل ، وجهور ، وبيطر ؛ فتنكّبوا إلحاقها بها ؛ صونا للمعنى ، وذبّا عنه أن يستهلك ويسقط حكمه ، فأخلّوا بالإلحاق لمّا كان صناعة لفظيّة ، ووقّروا المعنى ورجّبوه ؛ لشرفه عندهم ، وتقدّمه فى أنفسهم. فرأوا الإخلال باللفظ فى جنب الإخلال بالمعنى يسيرا سهلا ، وحجما محتقرا ، وهذا الشمس إنارة مع أدنى تأمّل.
ومن ذلك أيضا أنهم لا يلحقون الكلمة من أوّلها إلا أن يكون مع الحرف الأوّل غيره ؛ ألا ترى أن (مفعلا) لمّا كانت زيادته فى أوّله لم يكن ملحقا بها ؛ نحو : مضرب ، ومقتل. وكذلك (مفعل) نحو : مقطع ، ومنسج ، وإن كان مفعل بوزن جعفر ، ومفعل بوزن هجرع (١). يدلّ على أنهما ليسا ملحقين بهما ما نشاهده من ادّغامهما ، نحو مسدّ ، ومردّ ، ومتلّ (٢) ، ومشلّ (٣). ولو كانا ملحقين لكانا
__________________
(١) الهجرع : الطويل الممشوق ، الأحمق ، الجبان. اللسان (هجرع).
(٢) المتلّ : الذى يتل به أى يصرع به ، الشديد.
(٣) رجل مشلّ : خفيف سريع ، وحمار مشلّ : كثير الطرد.