قيل : لمّا جاءت لمعنى ضارعت بذلك حروف المضارعة فقدّمت ، وجعل ذلك عوضا من غلبة زيادة الفعل على أوّل الجزء ؛ كما جعل قلب الياء واوا فى التقوى والبقوى عوضا من كثرة دخول الواو على الياء. وعلى الجملة فالاسم أحمل للزيادة فى آخره من الفعل ، وذلك لقوّة الاسم وخفّته ، فاحتمل سحب الزيادة من آخره. والفعل ـ لضعفه وثقله ـ لا يتحامل بما يتحامل به الاسم من ذلك لقوّته.
ويدلّك على ثقل الزيادة فى آخر الكلمة أنك لا تجد فى ذوات الخمسة ما زيد فيه من آخره إلا الألف لخفّتها ؛ وذلك قبعثرى (١) ، وضبغطرى (٢) ، وإنما ذلك لطول ذوات الخمسة ، فلا ينتهى إلى آخرها إلا وقد ملّت لطولها. فلم يجمعوا على آخرها تماديه وتحميله الزيادة عليه. فإنما زيادتها فى حشوها ؛ نحو عضرفوط (٣) ، وقرطبوس (٤) ، ويستعور (٥) ، وصهصليق (٦) ، وجعفليق (٧) ، وعندليب ، وحنبريت (٨).
وذلك أنهم لمّا أرادوا ألا يخلوا ذوات الخمسة من الزيادة ، كما لم يخلوا منها الأصلين اللذين قبلها حشوا بالزيادة تقديما لها ؛ كراهية أن ينتهى إلى آخر الكلمة على طولها ، ثم يتجشّموا حينئذ زيادة هناك فيثقل أمرها ، ويتشنّع عليهم تحمّلها.
فقد رأيت ـ بما أوردناه ـ غلبة المعنى للّفظ ، وكون اللفظ خادما له ، مشيدا به ، وأنه إنما جيء به له ، ومن أجله. وأمّا غير هذا الطريق : من الحمل على المعنى وترك اللفظ ـ كتذكير المؤنّث ، وتأنيث المذكّر ، وإضمار الفاعل لدلالة المعنى عليه ، وإضمار المصدر لدلالة الفعل عليه ، وحذف الحروف ، والأجزاء التوامّ ، والجمل ، وغير ذلك حملا عليه وتصوّرا له ، وغير ذلك مما يطول ذكره ، ويملّ أيسره ـ فأمر مستقرّ ، ومذهب غير مستنكر.
__________________
(١) قبعثرى : الجمل الضخم.
(٢) ضبغطرى : هو الأحمق.
(٣) العضرفوط : دويبة بيضاء ناعمة. ويقال : ذكر العظاء. اللسان (عضرفط).
(٤) القرطبوس بفتح القاف : الداهية. اللسان (قرطبس).
(٥) اليستعور : شجر تصنع منه المساويك. وقيل : موضع. اللسان (يستعر).
(٦) صهصليق : شديدة الصوت صخّابة ، ومنهم من قيد فقال : العجوز الصخابة. اللسان (صهصلق).
(٧) الجعفليق : العظيمة من النساء. اللسان (جعفلق).
(٨) كذب حنبريت : خالص ، وكذلك ماء حنبريت اللسان (حنبرت).