باب [فى] الاستغناء بالشىء عن الشىء
قال سيبويه : واعلم أن العرب قد تستغنى بالشىء [عن الشىء] حتى يصير المستغنى عنه مسقطا من كلامهم البتّة.
فمن ذلك استغناؤهم بترك عن (ودع) ، و (وذر). فأمّا قراءة بعضهم (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) [الضحى : ٣] وقول أبى الأسود (حتى ودعه) فلغة شاذّة ، وقد تقدّم القول عليها.
ومن ذلك استغناؤهم بلمحة عن ملمحة ، وعليها كسّرت ملامح ، وبشبه عن مشبه ، وعليه جاء مشابه ، وبليلة عن ليلاة ، وعليها جاءت ليال ؛ وعلى أن ابن الأعرابى قد أنشد :
فى كلّ يوم ما وكلّ ليلاه |
|
حتى يقول كلّ راء إذ راه (١) |
يا ويحه من جمل ما أشقاه! (٢) |
وهذا شاذّ لم يسمع إلا من هذه الجهة. وكذلك استغنوا بذكر عن مذكار ، أو مذكير ، وعليه جاء مذاكير. وكذلك استغنوا بـ «أينق» عن أن يأتوا به والعين فى موضعها ، فألزموه القلب ، أو الإبدال ، فلم يقولوا (أنوق) إلا فى شيء شاذّ حكاه الفرّاء. وكذلك استغنوا بقسىّ عن قووس ، فلم يأت إلا مقلوبا. ومن ذلك استغناؤهم بجمع القلّة عن جمع الكثرة ؛ نحو قولهم أرجل ، لم يأتوا فيه بجمع الكثرة. وكذلك شسوع : لم يأتوا فيه بجمع القلّة. وكذلك أيّام : لم يستعملوا فيه
__________________
(١) الرجز لدلم أبى زغيب فى تاج العروس (دلم) ، ولسان العرب (دلم) ، وبلا نسبة فى اللسان (عوج) ، (ليل) ، (رأى) والأشباه والنظائر ١ / ١٢٣ ، الدرر ٦ / ٢٨١ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢٧٧ ، ٢ / ٢٠٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤١١ وشرح شواهد الشافية ص ١٠٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٥٠ ، والمحتسب ١ / ٢١٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٨٢ ، وتهذيب اللغة ٣ / ٥٠ ، وتاج العروس (ليل).
(٢) الرجز لدلم أبى زغيب فى لسان العرب (دلم) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (ليل) والمخصص (٩ / ٤٤) ، وتاج العروس (ليل).