باب فى نقض المراتب إذا عرض هناك عارض
من ذلك امتناعهم من تقديم الفاعل فى نحو ضرب غلامه زيدا. فهذا لم يمتنع من حيث كان الفاعل ليس رتبته التقديم ، وإنما امتنع لقرينة انضمّت إليه ، وهى إضافة الفاعل إلى ضمير المفعول ، وفساد تقدّم المضمر على مظهره لفظا ومعنى.
فلهذا وجب إذا أردت تصحيح المسألة أن تؤخّر الفاعل فتقول : ضرب زيدا غلامه ، وعليه قول الله سبحانه : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) [البقرة : ١٢٤] وأجمعوا على أن ليس بجائز ضرب غلامه زيدا ، لتقدّم المضمر على مظهره لفظا ومعنى. وقالوا فى قول النابغة:
جزى ربّه عنّى عدىّ بن حاتم |
|
جزاء الكلاب العاويات وقد فعل (١) |
إن الهاء عائدة على مذكور متقدّم ، كلّ ذلك لئلا يتقدّم ضمير المفعول عليه مضافا (إلى الفاعل) فيكون مقدّما عليه لفظا ومعنى. وأمّا أنا فأجيز أن تكون الهاء فى قوله :
* جزى ربّه عنّى عدىّ بن حاتم (٢) *
عائدة على (عدىّ) خلافا على الجماعة.
فإن قيل : ألا تعلم أن الفاعل رتبته التقدّم ، والمفعول رتبته التأخّر ، فقد وقع كلّ منهما الموقع الذى هو أولى به ، فليس لك أن تعتقد فى الفاعل وقد وقع مقدّما أنّ موضعه التأخير ، وإنّما المأخوذ به فى ذلك أن يعتقد فى الفاعل إذا وقع مؤخّرا
__________________
(١) البيت للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ١٩١ ، وله أو لأبى الأسود الدؤلى فى خزانة الأدب ١ / ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٢٨١ ، ٢٨٧ ، والدرر ١ / ٢١٧ ، وللنابغة أو لأبى الأسود أو لعبد الله بن همارق فى شرح التصريح ١ / ٢٨٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٨٧ ، ولأبى الأسود الدؤلى فى ملحق ديوانه ص ٤٠١ ، وتخليص الشواهد ص ٤٩٠ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ١٢٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٥٩ ، وشرح شذور الذهب ص ١٧٨ ، شرح ابن عقيل ص ٢٥٢ ، ولسان العرب (عوى) وهمع الهوامع ١ / ٦٦.
(٢) سبق منذ قليل.