أصلا ، وكونها جمالا فرعا ، فشبّه الحقيقة بالمجاز فى المعنى الذى منه أفاد المجاز من الحقيقة ما أفاد. وعلى نحو من هذا قالوا للناقة (جماليّة) لأنهم شبّهوها بالجمل فى شدّته وعلوّ خلقه ؛ قال الأعشى :
جماليّة تغتلى بالرداف |
|
إذا كذب الآثمات الهجيرا (١) |
وقال الراعى :
* على جماليّة كالفحل هملاج*
وهو كثير. فلمّا شاع ذلك واطّرد صار كأنه أصل فى بابه ، حتى عادوا فشبّهوا الجمل بالناقة فى ذلك ؛ فقال :
وقرّبوا كل جمالىّ عضه |
|
قريبة ندوته من محمضه (٢) |
فهذا من حملهم الأصل على الفرع فيما كان الفرع أفاده من الأصل ، ونظائره فى هذه اللغة كثيرة.
وهذا المعنى عينه قد استعمله النحويون فى صناعتهم ، فشبّهوا الأصل بالفرع فى المعنى الذى أفاده ذلك الفرع من ذلك الأصل ؛ ألا ترى أن سيبويه أجاز فى
__________________
(١) البيت للأعشى فى ديوانه ص ١٤٧ ، ولسان العرب (كذب) ، (جمل) ، (أثم) ، (غلا) ، وتهذيب اللغة ١٠ / ١٧٤ ، ١١ / ١٠٩ ، ومقاييس اللغة ١ / ٦٠ ، ومجمل اللغة ١ / ١٦٩ ، وتاج العروس (جمل) ، (كذب) ، (أثم) ، وأساس البلاغة (كذب). غلت الدابة فى سيرها غلوا واغتلت ارتفعت فجاوزت حسن السّير والاغتلاء : الإسراع. وأثمت الناقة المشى تأثمه إثما : أبطأت. وناقة آثمة ونوق آثمات أى مبطئات. وانظر اللسان (أثم) ، (غلا).
(٢) الرجز لهميان بن قحافة فى لسان العرب (حمض) ، (ندى) ، وتاج العروس (عضه) ، (ندى) ، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة ٤ / ٢٢٢ ، ١٤ / ١٨٩ ، وجمهرة اللغة ص ٥٤٧ ، والمخصص ٧ / ٥٠ ، ٦٠ ، ٩٩ ، ١١ / ١٧٦ ، وكتاب الجيم ٢ / ٣٠٤ ، ديوان الأدب ٢ / ٢٥٤ ، وإصلاح المنطق ص ٣٦٥ ، ولسان العرب (نفد). وفى اللسان (عضه). أراد كل جماليّة ولا يعنى به الجمل لأن الجمل لا يضاف إلى نفسه ، وإنما يقال فى الناقة جماليّة تشبيها لها بالجمل. ومن محمضه أى من موضعه الذى يحمض فيه ، ويروى : محمضه بضم الميم. وحمضت الإبل تحمض حمضا وحموضا : أكلت الحمض ، فهى حامضة. وانظر اللسان (حمض).