الباحثين المعاصرين لم يختلفوا مع هؤلاء القدامى فيما وصفوه بالتنافر الصوتى أو المعاظلة الصوتية ، فهم يسلمون لهم بكون ما ذكروه يعد من قبيل التنافر أو المعاظلة ، غير أنهم يرون أن هذا التنافر وتلك المعاظلة قد وظفه المبدع توظيفا فنيا مقصودا فيه هذا التنافر وتلك المعاظلة ، ومن ثم يخرج من دائرة القبح إلى دائرة الحسن ولا يكون منافيا للفصاحة أو البلاغة.
وهنا يحق لنا أن نتساءل إنصافا لهؤلاء القدماء فنقول : ما ذا لو أخفق المبدع فى توظيف ذلك التنافر أو تلك المعاظلة؟ ألا يكون ذلك التنافر أو التعاظل معيبا مستهجنا بمعنى إذا كانت هناك كلمتان تؤديان المعنى المراد : إحداهما ثقيلة على السمع متنافرة ، والأخرى خفيفة عذبة الجرس والرنين ، ولم يكن لاستخدام الثقيلة المتنافرة معنى يوظف فيه ثقلها وتنافرها ، أفلا يكون فى العدول عن اللفظة العذبة الخفيفة إلى الثقيلة المتنافرة بغير قصد ولا غرض بلاغى إخلال بالفصاحة والبلاغة؟
هذا إذا ما أراده هؤلاء القدماء ، لا أنهم أرادوا أن هذه اللفظة تحسن أبدا ، وتلك تقبح أبدا.
وتبقى القضية بعد ذلك فى أنهم أخفقوا ـ من وجهة نظر المحدثين ـ فى اختيار الأمثلة التى تعبر عن استخدام ألفاظ متنافرة لم يوظف فيها هذا التنافر.
* * *
الدلالة الصوتية فى الدراسات الحديثة
تأتى الدراسات الأسلوبية على رأس الدراسات الحديثة التى اهتمت بالدلالة الصوتية خاصة وأن علم الأسلوب هدفه الحقيقى يتمثل فى البحث عن العلاقات المتبادلة بين الدوال والمدلولات عبر التحليل الدقيق للصلة بين جميع العناصر الدالة وجميع العناصر المدلولة بحثا يتوخى تكاملها النهائى (١).
ومعنى هذا أن البحث الأسلوبى يتسع فى بحث العلاقة بين الدوال والمدلولات لتلك الدلالات التى توحى بها البنية الصوتية للكلمة من حيث كونها أصواتا لا من حيث كونها موادا معجمية لها دلالتها الوضعية المحددة.
__________________
(١) انظر د / صلاح فضل / علم الأسلوب ص ١٢٣.