ويرى أولمان أن علم الأسلوب يمكن أن ينقسم إلى نفس مستويات علم اللغة. ولو تقبلنا الرأى القائل بحصر مستويات التحليل اللغوى فى ثلاثة هى : الصوتى ، والمعجمى ، والنحوى لأصبح بوسع الصوتى الذى يبحث فى وظيفة المحاكاة الصوتية وغيرها كثير من الظواهر من الوجهة التعبيرية.
وسنجد حينئذ أن علم الأسلوب مثله فى ذلك مثل أخيه الأكبر يتسع لمنظورين متبادلين فكما يقول «جسبرسن» إن أية ظاهرة لغوية يمكن أن يتم تناولها من الخارج أو من الداخل ؛ أى : من ناحية الصيغة أو من ناحية الدلالة ففى الحالة الأولى نتناول الجانب الصوتى للكلمة أو للعبارة ثم نتأمل الدلالة المنبثقة منه ، أما فى الحالة الثانية فإننا ننطلق من المعنى لنتساءل عن التعبيرات الشكلية التى تؤديه فى لغة معينة أو عند مؤلف خاص وهذا ما كان يسميه «داماسو ألونسو» بعلم الأسلوب الداخلى والخارجى.
فالكلمات يمكن أن تخضع للبواعث المحركة لها فتصبح شفافة أو معتمة ويتم هذا على مستويات صوتية وصرفية ودلالية. ولكل منها نتائج أسلوبية بارزة ، فالباعث الصوتى يتمثل ـ عند «أولمان» ـ فى إحدى إمكانيتين : فإما أن تكون البنية الصوتية للكلمة محاكاة لصوت أو ضجيج معين مثل قرقرة وثأثأة ومواء وغيرها وهى المحاكاة المباشرة ، وإما أن تثير الكلمة بصوتها تجربة غير صوتية ، وهى محاكاة غير مباشرة وتدخل هذه المحاكاة الصوتية بما تستثيره وتؤدى إليه فى النسيج الشعرى نفسه. وبالرغم من أن بعض الدارسين ينبهون إلى ضرورة التحديد الدقيق لطبيعة هذه الإيحاءات حتى لا تظل خاضعة للمزاج المتقلب إلا أن هذا المجال يعد من أنشط وأبسط مجالات الدراسة الأسلوبية» (١).
لقد آثرنا نقل هذا النص بطوله لأنه يبين لنا كيف أن دراسة الدلالة الصوتية ما هى إلا قطعة من تلك المنظومة الشاملة للدلالة العامة فى نص ما (٢) ؛ والتى ينبغى أن يبدأ فيها بتحليل الدلالة الصوتية أولا لأنها هى اللبنة الأولى فى منظومة الدلالة ، ولأنها هى التى تخلق المعنى المعجمى للكلمة بعد ذلك ، وتعطى لكل كلمة قيمة خلافية فارقة لها عن غيرها من الكلم.
__________________
(١) انظر د / صلاح فضل ، علم الأسلوب ص ١٣٨ ـ ١٤٠.
(٢) يذهب «ويلك» إلى أن البحث الأسلوبى لا بد أن يستند إلى النحو بكل فروعه : الأصوات ، والتحليل الصوتى والصرف ، والتراكيب ، والمعجم ، بالإضافة إلى الدلالة.