واستثمارا لكلام (جسبرسن) السابق فإننا يمكن أن ننطلق فى بحثنا لتلك القيم الصوتية إما من الداخل أو من الخارج فيمكننا أن ننظر إلى دلالات تلك الأصوات فى سياقات بعينها لنتوصل من خلالها إلى إيحاءاتها الخاصة أو سماتها الأسلوبية.
ويمكن فى الوقت نفسه أن ننطلق من اتجاه معاكس بأن نقف أمام قيمة أسلوبية معينة لنبحث عن الوسائل الأسلوبية التى يمكن أن تؤدى إلى تلك القيمة فى عمل ما.
كما يمكننا أن نستثمر كذلك ما انتهى إليه أولمان من تقسيم البواعث الصوتية إلى نوعين من المحاكاة : المباشرة وغير المباشرة لنقف أمام الدلالة الفنية المستفادة من توظيف المبدع لكلا النوعين فى العمل الأدبى حيث يخرج المبدع بتلك الأصوات عن كونها حكاية لصوت معين لا معنى له ـ فى حالة الحكاية المباشرة ـ إلى معان فنية خاصة ، كما يقوم بتوظيف الكلمات التى لا تتسم بطبيعة المحاكاة توظيفا صوتيا ذا دلالة جديدة قد تختلف تماما عن دلالتها المعجمية ، وإنما يستوحيها الشاعر من عالمه الخاص ، ويستوحيها القارئ من السياق الأدبى.
اعتمدت الدراسات الأسلوبية الحديثة فى هذا المجال على ما انتهت إليه الدراسات اللغوية السابقة عليها ، وذلك بطبيعة الحال ـ نتيجة بديهية للصلة أو العلاقة الوثيقة بين علم الأسلوب وعلم اللغة (١).
وإذا كنا بصدد إسهام الدراسات الحديثة فى هذا المجال ، فلا يفوتنا تلك الوقفة المتأنية لرتشاردز فى كتابه مبادئ النقد عند بحثه عن الدلالة الصوتية حيث يقرر ما سبق أن ذكرناه فى بداية البحث من صعوبة الربط بين السمات الصوتية والمدلول الأدبى فهو يقرر أن نشاط الأصوات الجمالى ليس محتوما بعلاقة مخرجية أو علاقة وصفية وربما لا يحمل شبها بمعناها ، وقد يحورها تماما ، أو يهدمها النشاط الجمالى الصوتى معقد حقا ، وهو يشب عن طوق العلاقات المخرجية والوصفية ويدخل فى تكوين مسافات مختلفة ولا ينبع من كيفية معينة أو صفة مفردة ولا يمكن إذن إلا أن يكون شيئا غنيا متأصلا ذا جذور تستعصى على التقرير والتحديد» (٢).
__________________
(١) انظر بحث هذه العلاقة لدى د / صلاح فضل / علم الأسلوب ص ١٢٩ إلى ص ١٤٦.
(٢) يشير «رتشاردز» إلى أهمية العناية ببعض الخصائص الصوتية كدرجة الصوت ، لكنه يؤكد أن هذه الخصائص لا يمكن فصلها عن المعنى : راجع.