باب فى الاعتراض
اعلم أنّ هذا القبيل من هذا العلم كثير ، قد جاء فى القرآن ، وفصيح الشعر ، ومنثور الكلام. وهو جار عند العرب مجرى التأكيد ، فلذلك لا يشنع عليهم ، ولا يستنكر عندهم ، أن يعترض به بين الفعل وفاعله ، والمبتدأ وخبره ، وغير ذلك ممّا لا يجوز الفصل (فيه) بغيره ، إلا شاذّا أو متأوّلا. قال الله سبحانه وتعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [الواقعة : ٧٥ ـ ٧٧] فهذا فيه اعتراضان : أحدهما قوله (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) لأنه اعترض به بين القسم الذى هو قوله (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) وبين جوابه الذى هو قوله (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) وفى نفس هذا الاعتراض اعتراض آخر ، بين الموصوف الذى هو (قسم) وبين صفته التى هى (عظيم) وهو قوله (لَوْ تَعْلَمُونَ). فذانك اعتراضان كما ترى. ولو جاء الكلام غير معترض فيه لوجب أن يكون : فلا أقسم بمواقع النجوم ، إنه لقرآن كريم ، وإنه لقسم [عظيم لو تعلمون].
ومن ذلك (قول امرئ القيس) :
ألا هل أتاها ـ والحوادث جمّة ـ |
|
بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا (١) |
فقوله : «والحوادث جمّة» اعتراض بين الفعل وفاعله. ومثله قوله :
* ألا هل أتاها والحوادث كالحصى*
وأنشدنا أبو علىّ :
وقد أدركتنى ـ والحوادث جمّة ـ |
|
أسنّة قوم لا ضعاف ولا عزل (٢) |
__________________
(١) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص ٣٩٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٤ ، ٥٢٥ ، ٥٢٧ ، وسمط اللآلى ص ٤٠ ، وشرح المفصل ٨ / ٢٣ ، ولسان العرب (بقر) ، (شظى) والمنصف ١ / ٨٤ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ١٧١ ، والجنى الدانى ص ٥٠.
(٢) البيت لجويرية بن زيد فى الدرر ٤ / ٢٥ ، ولرجل من بنى دارم فى شرح شواهد المغنى