باب فى التقديرين المختلفين لمعنيين مختلفين
هذا فى كلام العرب كثير فاش ، والقياس له قابل مسوغ.
فمن ذلك قولهم : مررت بزيد ، وما كان نحوه ، مما يلحق من حروف الجرّ معونة لتعدّى الفعل. فمن وجه يعتقد فى الباء أنها بعض الفعل من حيث كانت معدّية وموصّلة له. كما أن همزة النقل فى (أفعلت) وتكرير العين فى (فعّلت) يأتيان لنقل الفعل وتعديته ؛ نحو قام ، وأقمته ، وقوّمته ، وسار ، وأسرته ، وسيّرته.
فلمّا كان حرف الجرّ الموصّل للفعل معاقبا لأحد شيئين ، كلّ واحد منهما مصوغ فى نفس المثال جرى مجراهما فى كونه جزءا من الفعل أو كالجزء منه. فهذا وجه اعتداده كبعض الفعل.
وأمّا وجه اعتداده كجزء من الاسم فمن حيث كان مع ما جرّه فى موضع نصب ، وهذا يقضى له بكونه جزءا ممّا بعده أو كالجزء منه ؛ ألا تراك تعطف على مجموعهما بالنصب ، كما تعطف على الجزء الواحد فى نحو قولك : ضربت زيدا وعمرا ؛ وذلك قولك : مررت بزيد وعمرا ، ورغبت فيك وجعفرا ، ونظرت إليك وسعيدا ؛ أفلا ترى إلى حرف الجرّ الموصّل للفعل كيف قدّر تقديرين مختلفين [لمعنيين مختلفين].
ووجه جوازه من قبل القياس أنك إنما تستنكر اجتماع تقديرين مختلفين لمعنيين متفقين ؛ وذلك كأن تروم أن تدلّ على قوّة اتصال حرف الجرّ بالفعل ، فتعتدّه تارة كالبعض له ، والأخرى كالبعض للاسم. فهذا ما لا يجوز مثله ؛ لأنه لا يكون كونه كبعض الاسم دليلا على شدّة امتزاجه بالفعل ، لكن لمّا اختلف المعنيان جاز أن يختلف التقديران ، فاعرف ذلك ، فإنه مما يقبله القياس ولا يدفعه.
ومثل ذلك قولهم : (لا أبا لك) ، فههنا تقديران مختلفان لمعنيين مختلفين.
وذلك أن ثبات الألف فى (أبا) من (لا أبا لك) دليل الإضافة ؛ فهذا وجه. ووجه آخر أن ثبات اللام وعمل (لا) فى هذا الاسم يوجب التنكير والفصل. فثبات الألف دليل الإضافة والتعريف ، ووجود اللام دليل الفصل والتنكير. وليس هذا