باب فى تدريج اللغة
وذلك أن يشبه شيء شيئا من موضع ، فيمضى حكمه على حكم الأوّل ، ثم يرقّى منه إلى غيره.
فمن ذلك قولهم : جالس الحسن أو ابن سيرين ، (ولو) جالسهما جميعا لكان مصيبا مطيعا لا مخالفا ، وإن كانت (أو) إنما هى فى أصل وضعها لأحد الشيئين.
وإنما جاز ذلك فى هذا الموضع ، لا لشيء رجع إلى نفس (أو) بل لقرينة انضمّت من جهة المعنى إلى (أو). وذلك لأنه قد عرف أنه إنما رغّب فى مجالسة الحسن لما لمجالسه فى ذلك من الحظّ ، وهذه الحال موجودة فى مجالسة ابن سيرين أيضا ، وكأنه قال : جالس هذا الضرب من الناس. وعلى ذلك جرى النهى فى هذا الطرز من القول فى قول الله سبحانه (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان : ٢٤] وكأنه ـ والله أعلم ـ قال : لا تطع هذا الضرب من الناس. ثم إنه لما رأى (أو) فى هذا الموضع قد جرت مجرى الواو تدرّج من ذلك إلى غيره ، فأجراها مجرى الواو فى موضع عار من هذه القرينة التى سوّغته استعمال (أو) فى معنى الواو ؛ ألا تراه كيف قال :
وكان سيّان ألا يسرحوا نعما |
|
أو يسرحوه بها ، واغبرّت السوح (١) |
وسواء وسيّان لا يستعمل إلا بالواو. وعليه قول الآخر :
فسيّان حرب أو تبوءوا بمثله |
|
وقد يقبل الضيم الذليل المسيّر (٢) |
أى فسيّان حرب وبواؤكم بمثله ، كما أن معنى الأوّل : فكان سيّان ألا يسرحوا نعما ، وأن يسرحوه بها. وهذا واضح.
__________________
(١) البيت لأبى ذؤيب الهذلى فى خزانة الأدب ٥ / ١٣٤ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ، وشرح أشعار الهذليين ص ١٢٢ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٤٥ ، وشرح شواهد المغنى ص ١٩٨ ، ولسان العرب (سوا) وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٤ / ٨٩ ، ١١ / ٧٠ ، ورصف المبانى ص ١٣٢ ، ٤٢٧ ، وشرح المفصل ٨ / ٩١ ، ومغنى اللبيب ص ٦٣.
(٢) البيت بلا نسبة فى شرح المفصّل ٨ / ٩١ ، ولسان العرب (سوا).