باب فى تركب اللغات
اعلم أن هذا موضع قد دعا أقواما ضعف نظرهم ، وخفّت إلى تلقّى ظاهر هذه اللغة أفهامهم ، أن جمعوا أشياء على وجه الشذوذ عندهم ، وادّعوا أنها موضوعة فى أصل اللغة على ما سمعوه بأخرة من أصحابها ، وأنسوا ما كان ينبغى أن يذكروه ، وأضاعوا ما كان واجبا أن يحفظوه. ألا تراهم كيف ذكروا فى الشذوذ ما جاء على فعل يفعل ؛ نحو نعم ينعم ، ودمت تدوم ، ومتّ تموت. وقالوا أيضا فيما جاء من فعل يفعل ، وليس عينه ولا لامه حرفا حلقيّا ؛ نحو قلى يقلى ، وسلا يسلى ، وجبى يجبى ، وركن يركن ، وقنط يقنط.
ومما عدّوه شاذا ما ذكروه من فعل فهو فاعل ؛ نحو طهر فهو طاهر ، وشعر فهو شاعر ، وحمض فهو حامض ، وعقرت المرأة فهى عاقر ؛ ولذلك نظائر كثيرة.
واعلم أن أكثر ذلك وعامّته إنما هو لغات تداخلت فتركّبت ، على ما قدّمناه فى الباب الذى هذا الباب يليه. هكذا ينبغى أن يعتقد ، وهو أشبه بحكمة العرب.
وذلك أنه قد دلّت الدلالة على وجوب مخالفة صيغة الماضى لصيغة المضارع ؛ إذ الغرض فى صيغ هذه المثل إنما هو لإفادة الأزمنة ، فجعل لكل زمان مثال مخالف لصاحبه ، وكلّما ازداد الخلاف كانت فى ذلك قوّة الدلالة على الزمان.
فمن ذلك أن جعلوا بإزاء حركة فاء الماضى سكون فاء المضارع ، وخالفوا بين عينيهما ، فقالوا : ضرب يضرب ، وقتل يقتل ، وعلم يعلم.
فإن قلت : فقد قالوا : دحرج يدحرج ؛ فحرّكوا فاء المضارع والماضى جميعا ، وسكّنوا عينيهما أيضا ؛ قيل : لمّا فعلوا ذلك فى الثلاثيّ الذى هو أكثر استعمالا ، وأعمّ تصرّفا ، وهو كالأصل للرباعىّ ، لم يبالوا ما فوق ذلك ممّا جاوز الثلاثة.
وكذلك أيضا قالوا : تقطع يتقطّع ، وتقاعس يتقاعس ، وتدهور يتدهور ، ونحو ذلك ؛ لأنهم أحكموا الأصل الأوّل الذى هو الثلاثيّ ، فقلّ حفلهم بما وراءه ؛ كما أنهم لمّا أحكموا أمر المذكور فى التثنية ، فصاغوها على ألفها ، لم يحفلوا بما عرض فى المؤنّث من اعتراض علم التأنيث بين الاسم وبين ما هو مصوغ عليه من