بأحد حرفى العلّة ، فإذا قلب واحد منهما إليه فكأنه مقرّ على بابه ؛ ألا ترى أن الألف لا تكون أصلا فى الأسماء ولا فى الأفعال ، وإنما هى مؤذنة بما هى بدل منه ، وكأنها هى هو ؛ وليست كذلك الواو والياء ؛ لأن كل واحدة منهما قد تكون أصلا كما تكون بدلا. فإذا أخرجت الواو إلى الياء اعتدّ ذلك ؛ لأنك أخرجتها إلى صورة تكون الأصول عليها ، والألف لا تكون أصلا أبدا فيهما ، فكأنها هى ما قلبت عنه البتّة ؛ فاعرف ذلك ، فإن أحدا من أصحابنا لم يذكره.
ومما يدلّك على صحّة الحال فى ذلك أنهم قالوا : غزا يغزو ، ورمى يرمى ، فأعلّوا الماضى بالقلب ، ولم يقلبوا المضارع ، لمّا كان اعتلال لام الماضى إنما هو بقلبها ألفا ، والألف لدلالتها على ما قلبت عنه كأنها هى هو ، فكأن لا قلب هناك : فاعرف ذلك.
ويدلّك على استنكارهم أن يقولوا : سليت تسلو ؛ لئلا يقلبوا فى الماضى ولا يقلبوا فى المضارع أنهم قد جاءوا فى الصحيح بذلك لمّا لم يكن فيه من قلب الحرف فى الماضى ، وترك قلبه فى المضارع ما جفا عليهم ؛ وهو قولهم : نعم ينعم ، وفضل يفضل. وقالوا فى المعتلّ : مت تموت ، ودمت تدوم ؛ وحكى فى الصحيح أيضا حضر القاضى يحضره. فنعم فى الأصل ماضى ينعم ، وينعم فى الأصل مضارع نعم ، ثم تداخلت اللغتان ، فاستضاف من يقول نعم لغة من يقول ينعم ، فحدثت هناك لغة ثالثة.
فإن قلت : فكان يجب على هذا أن يستضيف من يقول : نعم مضارع من يقول نعم ، فتركّب من هذا أيضا لغة ثالثة ؛ وهى نعم ينعم.
قيل : منع من هذا أن فعل لا يختلف مضارعه أبدا ، وليس كذلك نعم ؛ لأن نعم قد يأتى فيه ينعم وينعم جميعا ، فاحتمل خلاف مضارعه ، وفعل لا يحتمل مضارعه الخلاف ؛ ألا تراك كيف تحذف فاء وعد فى يعد ؛ لوقوعها بين ياء وكسرة ، وأنت مع ذلك تصحّح نحو وضؤ ووطؤ ، إذا قلت : يوضؤ ويوطئ ، وإن وقعت الواو بين ياء وضمة ، ومعلوم أن الضمّة أثقل من الكسرة ، لكنه لمّا كان مضارع فعل لا يجيء مختلفا لم يحذفوا فاء وضؤ ، ولا وطؤ ، ولا وضع ؛ لئلا يختلف باب ليس من عادته أن يجيء مختلفا.