باب اختلاف اللغات وكلها حجة
اعلم أن سعة القياس تبيح (١) لهم ذلك ، ولا تحظره عليهم ؛ ألا ترى أن لغة التميميين فى ترك إعمال (ما) يقبلها (٢) القياس ، ولغة الحجازيين فى إعمالها كذلك ؛ لأن لكل واحد من القومين ضربا من القياس يؤخذ به ، ويخلد إلى مثله. وليس لك أن تردّ إحدى اللغتين بصاحبتها ؛ لأنها ليست أحقّ بذلك من رسيلتها (٣). لكن غاية مالك فى ذلك أن تتخيّر إحداهما ، فتقوّيها على أختها ، وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها ، وأشدّ أنسا بها. فأمّا ردّ إحداهما بالأخرى فلا. أولا ترى إلى قول النبى صلىاللهعليهوسلم : «نزل القرآن بسبع لغات كلها كاف شاف» (٤). هذا حكم اللغتين إذا كانتا فى الاستعمال والقياس متدانيتين متراسلتين ، أو كالمتراسلتين.
فأمّا أن تقلّ إحداهما جدا وتكثر (٥) الأخرى جدّا فإنك تأخذ بأوسعهما رواية ، وأقواهما قياسا ؛ ألا تراك لا تقول : مررت بك ولا المال لك ، قياسا على قول قضاعة : المال له ومررت به ، ولا تقول أكرمتكش [ولا أكرمتكس] قياسا على لغة من قال : مررت بكش ، وعجبت منكس.
حدّثنا أبو بكر محمد بن الحسن (٦) ، عن أبى العباس أحمد بن يحيى
__________________
(١) فى نسخة : تتيح.
(٢) فى نسخة : يمليها.
(٣) الرسيل : الموافق لك فى النضال ونحوه.
(٤) أخرجاه فى الصحيحين بلفظ : «أنزل القرآن على سبعة أحرف». وسيأتى.
(٥) فى النسخة المطبوعة : «وتكثر» وما أثبت من بعض النسخ.
(٦) محمد بن الحسن : لعله محمد بن الحسن بن مقسم فهو من تلاميذ ثعلب ، وهو محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن الحسين بن محمد بن سليمان بن داود بن عبيد الله بن مقسم ؛ أبو بكر المقرى العطار ، قال لخطيب البغدادى : وكان ثقة ، وقال السيوطى : وكان ثقة من أعرف الناس بالقراءات وأحفظهم لنحو الكوفيين ولم يكن فيه عيب إلا أنه قرأ بحروف تخالف الإجماع ، واستخرج لها وجوها من اللغة. له من التصانيف : الأنوار فى تفسير القرآن ، الاحتجاج فى القراءات ، كتاب فى النحو كبير ، مجالسات تعلب. تاريخ بغداد ٢ / ٢٠٢ ، وبغية الوعاة ١ / ٨٩ ، وانظر تاريخ بغداد ٥ / ٤١٤.