نحو عطّار من العطر ، وعصّاب من العصب. وأمّا الآخر فلأن ما عينه واو ولامه ياء أكثر مما عينه ولامه ياءان ؛ ألا ترى أن باب طويت وشويت أكثر من باب حييت وعييت. وإذا كان الأمر كذلك علمت قوّة السماع وغلبته للقياس ؛ ألا ترى أن سماعا واحدا غلب قياسين اثنين.
نعم وقد يعرض هذا التداخل فى صنعة الشاعر فيرى أو يرى أنه قد جنّس وليس فى الحقيقة تجنيسا ، وذلك كقول القطامى :
* مستحقبين فؤادا ما له فاد (١) *
ففؤاد من لفظ (ف أد) وفاد من تركيب (ف د ى) ، لكنهما لمّا تقاربا هذا التقارب دنوا من التجنيس. وعليه قول الحمصىّ :
* وتسويف العدات من السوافى (٢) *
فظاهر هذا يكاد لا يشكّ أكثر الناس أنه مجنّس ، وليس هو كذلك. وذلك أن تركيب (تسويف) من (س وف) وتركيب (السوافى) من (س ف ى) ، لكن لمّا وجد فى كل واحد من الكلمتين سين وفاء وواو جرى فى بادى السمع مجرى الجنس الواحد ؛ وعليه قال الطائى الكبير :
__________________
(١) صدره :
* كنية الحىّ من ذى الغيضة احتملوا*
وهو من قصيدته التى مطلعها :
ما اعتاد حب سليمى حين معتاد |
|
ولا تقضى بوافى دينها الطادى |
يقول فيها :
ما للكواعب ودعن الحياة كما |
|
ودعننى واتخذن الشيب ميعادى |
ثم يقول : كنية الحىّ ... ، ونية الحىّ : بعده وتحوله عن منتجعه إلى آخر. يقول : ودعننى وبعدن عنى كبعد هذا الحى إذا احتملوا من ذى الغيضة ، وهو موضع ، ويقول : إنهم استحقبوا معهم واحتملوا أسيرا لا فداء له من الأسر ، يعنى نفسه وقع أسيرا لمن سلبت فؤاده من الحى.
(٢) «العدات» كذا فى أ، ب ، ش. وفى ج : «العذاب» ، وفى رسالة الغفران : «الظنون». و «السوافى» كذا فى أ، ج. وفى ش ، ب : «السواف». والسوافى جمع السافى ، وهو الريح التى تسفى التراب أو هو التراب نفسه ، ضربه مثلا لما يبعث الأذى. والسواف : الهلاك ، وقد فسر بهذا فى رسالة الغفران. (نجار).