ألحد حوى حيّة الملحدين! |
|
ولدن ثرى حال دون الثراء! (١) |
فيمن رواه هكذا (حوى حيّة الملحدين) أى قاتل المشركين ، وكذلك قال فى آخر البيت أيضا :
* ولدن ثرى حال دون الثراء*
فجاء به مجىء التجنيس ، وليس على الحقيقة تجنيسا صحيحا. وذلك أن التجنيس عندهم أن يتّفق اللفظان ويختلف أو يتقارب المعنيان ؛ كالعقل ، والمعقل ، والعقلة ، والعقيلة ومعقلة. وعلى ذلك وضع أهل اللغة كتب الأجناس. وليس الثرى من لفظ الثراء على الحقيقة ؛ وذلك أن الثرى ـ وهو الندى ـ من تركيب (ث ر ى) لقولهم : التقى الثريان. وأمّا الثراء ـ لكثرة المال ـ فمن تركيب (ث ر و) ؛ لأنه من الثروة ؛ ومنه الثريّا ؛ لأنها من الثروة لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها ، فكأنها كثيرة العدد بالإضافة إلى ضيق المحلّ. ومنه قولهم : ثرونا بنى فلان ، نثروهم ثروة ، إذا كنا أكثر منهم. فاللفظان ـ كما ترى ـ مختلفان ، فلا تجنيس إذا إلا للظاهر. وقد ذكرت هذا الموضع فى كتابى فى شرح المقصور والممدود عن ابن السكيت ، وأن الفرّاء تسمح فى ذكر مثل هذا على اختلاف أصوله ، وأن عذره فى ذلك تشابه اللفظين بعد القلب.
ومن ذلك قولهم : عدد طيس ، وطيسل. فالياء فى طيس أصل ، وتركيبه من (ط ى س) و [هى] فى طيسل زائدة ، وهو من تركيب (ط س ل). ومثله الفيشة ، والفيشلة : حالهما فى ذلك سواء. وذهب سيبويه فى (عنسل) إلى زيادة النون ، وأخذها من قوله :
عسلان الذئب أمسى قاربا |
|
برد الليل عليه فنسل (٢) |
__________________
(١) هذا فى مرثية لخالد بن يزيد بن مزيد الشيبانى. وترى «ألحد» و «لدن» مرفوعين ، وهو ما فى الديوان. وفى أصول الخصائص : ألحدا ، ولدن بنصبهما. والوجه ما أثبته. يقول : أيحوى لحد حية الملحدين! يعجب من هذا. والملحدون : الكافرون ، وحيتهم : مهلكهم كما يهلك الحية من لدغه. و «لدن ثرى» فاللدن الناعم ، وهو من إضافة الصفة للموصوف : أى أيحول الثرى ـ وهو هنا تراب القبر ـ دون الغنى والوفر الحالين فيه بحلول المرثى. (نجار).
(٢) البيت من الرمل ، وهو للبيد فى ديوانه ص ٢٠٠ ، ولسان العرب (عسل) ، وتاج العروس ـ