ويجوز عندى فيه وجه ثالث لم يقل به. وهو أن يكون أصله على ما قيل فى المذهب الثانى : أخو اليوم اليوم ، ثم قلب فصار (اليمو) ثم نقلت الضمّة إلى الميم فى حدّ قولك : هذا بكر ، فصارت اليمو ، فلمّا وقعت الواو طرفا بعد ضمّة فى الاسم أبدلوا من الضمّة كسرة ، ثم من الواو ياء ، فصارت اليمى ، كأحق وأدل.
فإن قيل : هلا لم تستنكر الواو هنا بعد الضمة لمّا لم تكن الضمّة لازمة؟
قيل : هذا وإن كان على ما ذكرته فإنهم قد أجروه فى هذا النحو مجرى اللازم ؛ ألا تراهم يقولون على هذه اللغة : هذه هند ، ومررت بجمل ، فيتبعون الكسر الكسر والضمّ الضمّ ؛ كراهية للخروج من كسرة هاء هند إلى ضمة النون ، وإن كانت الضمّة عارضة. وكذلك كرهوا مررت بجمل لئلا يصيروا فى الأسماء إلى لفظ فعل. فكما أجروا النقل فى هذين الموضعين مجرى اللازم فكذلك يجوز أن يجرى اليمو مجرى (أدلو وأحقو) فيغيّر كما غيّرا ، فقيل (اليمى) حملا على الأدلى والأحقى. (فإن قيل : نحو زيد وعون لا ينقل إلى عينه حركة لامه ، واليوم كعون ، قيل جاز ذلك ضرورة لما يعقب من صلاح القافية ، وأكثر ما فيه إجراء المعتلّ مجرى الصحيح لضرورة الشعر).
ومن المقلوب بيت القطامىّ :
ما اعتاد حبّ سليمى حين معتاد |
|
ولا تقضّى بواقى دينها الطادى (١) |
هو مقلوب عن الواطد ، وهو الفاعل من وطد يطد ، أى ثبت. فقلب عن (فاعل) إلى (عالف).
ومثله عندنا (الحادى) لأنه فاعل من وحد ، وأصله الواحد فنقل عن فاعل (إلى عالف) سواء ، فانقلبت الواو التى هى فى الأصل فاء ياء ؛ لانكسار ما قبلها فى الموضعين جميعا. وحكى الفرّاء : معى عشرة فاحدهنّ لى ، أى اجعلهن أحد عشر ، فظاهر هذا يؤنس بأن (الحادى) فاعل. والوجه إن كان المروىّ صحيحا أن
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو للقطامى فى ديوانه ص ٧٨ ، ولسان العرب (طود) ، (وطد) ، (طدى) ، ومقاييس اللغة ٦ / ١٢١ ، ومجمل اللغة ٤ / ٥٣٥ ، وتهذيب اللغة ١٤ / ٣ ، وبلا نسبة فى المخصص ١٢ / ٧١ ، وتاج العروس (طدى) ، وكتاب العين ٧ / ٤٤٣.