يكون الفعل مقلوبا من وحدت إلى حدوت ، وذلك أنهم لمّا رأوا (الحادى) فى ظاهر الأمر على صورة فاعل صار كأنه جار على (حدوت) جريان غاز على غزوت ؛ كما أنهم لما استمرّ استعمالهم (الملك) بتخفيف الهمزة صار كأنّ ملكا على فعل ، فلمّا صار اللفظ بهم إلى هذا بنى الشاعر على ظاهر أمره فاعلا منه ، فقال حين ماتت نساؤه بعضهنّ إثر بعض :
غدا مالك يرمى نسائى كأنّما |
|
نسائى لسهمى مالك غرضان (١) |
يعنى ملك الموت ؛ ألا تراه يقول بعد هذا :
فيا رب عمّر لى جهيمة أعصرا |
|
فمالك موت بالقضاء دهانى (٢) |
وهذا ضرب من تدريج اللغة. وقد تقدّم الباب الذى ذكرنا فيه طريقه فى كلامهم فليضمم هذا إليه ؛ فإنه كثير جدّا.
ومثل قوله (فاحدهنّ) فى أنه مقلوب من (وحد) قول الأعرابيّة : (أخاف أن يجوهنى) (وهو) مقلوب من الوجه.
فأمّا وزن (مالك) على الحقيقة فليس فاعلا لكنه (مافل) ألا ترى أن أصل (ملك) ملأك : مفعل ، من تصريف ألكنى إليها عمرك الله ، وأصله الئكنى فخفّفت همزته ، فصار ألكنى ، كما صار (ملأك) بعد التخفيف إلى ملك ، ووزن ملك (مفل).
ومن طريف المقلوب قولهم للقطعة الصعبة من الرمل (تيهورة) وهى عندنا (فيعولة) من تهوّر الجرف ، وانهار الرمل ونحوه. وقياسها أن تكون قبل تغييرها (هيوورة) فقدّمت العين وياء (فيعول) إلى ما قبل الفاء ، فصارت (ويهورة) ثم أبدلت الواو التى هى عين مقدّمة قبل الياء تاء كتيقور (٣) ، فصارت (تيهورة) كما ترى. فوزنها على لفظها الآن (عيفولة). أنشدنا أبو على :
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (لأك) ، (ملك).
(٢) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (لأك) ، (جهم) ، وتاج العروس (جهم).
(٣) تيقور : هو الوقار. وأصله : ويقور.