باب فى قلب لفظ إلى لفظ بالصنعة والتلطف
لا بالإقدام والتعجرف
أما ما طريقه الإقدام من غير صنعة فنحو ما قدّمناه آنفا من قولهم : ما أطيبه وأيطبه ، وأشياء فى قول الخليل و (قسىّ) وقوله (أخو اليوم اليمى). فهذا ونحوه طريقه طريق الاتساع فى اللغة من غير تأتّ ولا صنعة. ومثله موقوف على السماع ، وليس لنا الإقدام عليه من طريق القياس.
فأمّا ما يتأتّى له ويتطرّق إليه بالملاينة والإكثاب ، من غير كدّ ولا اغتصاب ، فهو ما (عليه عقد هذا الباب). وذلك كأن يقول لك قائل : كيف تحيل لفظ (وأيت إلى لفظ أويت) فطريقه أن تبنى من (وأيت) فوعلا ، فيصير بك التقدير فيه إلى (ووأى) فتقلب اللام ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فيصير (ووأى) ثم تقلب الواو الأولى همزة ؛ لاجتماع الواوين فى أوّل الكلمة فيصير (أوأى) ثم تخفّف الهمزة فتحذفها ، وتلقى حركتها على الواو قبلها ، فيصير (أوا) اسما كان أو فعلا. فقد رأيت كيف استحال لفظ (وأى) إلى لفظ (أوا) من غير تعجرف ولا تهكّم على الحروف.
وكذلك لو بنيت مثل فوعال لصرت إلى (ووآى) ثم إلى (أوآى) ثم (أوآء) ثم تخفّف فيصير إلى (أواء) فيشبه حينئذ لفظ (آءة) (١) أو أويت. أو لفظ قوله :
* فأوّ لذكراها إذا ما ذكرتها*
وقد فعلت العرب ذلك ؛ منه قولهم : (أوار النار) وهو وهجها ولفحها ، ذهب فيه الكسائىّ مذهبا حسنا ـ وكان هذا الرجل كثيرا فى السداد والثقة عند أصحابنا ـ قال : هو (فعال) من وأرت الإرة (٢) أى احتفرتها لإضرام النار فيها. وأصلها (وآر) ثم خفّفت الهمزة فأبدلت فى اللفظ [واوا] فصارت (ووار) فلمّا التقت فى أول
__________________
(١) الآءة شجرة عندهم وأصلها : أوأة بالتحريك.
(٢) الإرة : موقد النار.