القديمة كما كانت قد استقرت عليه عبر تاريخها الطويل ، وهو الالتزام بقافية واحدة وبحر واحد ، يحدث بهما الشاعر إيقاعا صوتيا واحدا فى القصيدة جميعا.
والثانى : إبداعى ، يكشف فيه الشاعر عن قدراته الخاصة فى إحداث أصوات بعينها تتكرر فى كل بيت على حدة ، فتخلق فى داخله «جناسا صوتيا» وتختلف من بيت إلى آخر ، فتخلق بين هذا البيت وغيره من أبيات القصيدة الأخرى وقوافيها ، ما يصح أن نسميه «طباقا صوتيا» ومعنى ذلك أن الشاعر القديم قد استطاع أن يقيم من هذا «التكرار الصوتى» كما يتجلى فى موسيقى الأبيات والقوافى بناء موسيقيا متنوعا ، فلزم أن تكون أصوات الأبيات الشعرية فى كل الأحوال من جنس أصوات القافية ، كما أنها تختلف من بيت إلى آخر ـ وهكذا مزج الشاعر فى موسيقاه بين المخالفة والمماثلة اللتين تنبعان من أصل واحد هو ما أسميناه بالتكرار الصوتى.
وقد حقق الشاعر القديم هذا التكرار الصوتى بوسائل عديدة ، نستطيع على أساس وصفى خالص أن نحصرها فى أشكال ثلاثة أولها : تكرار حروف بعينها فى كل بيت شعرى على حدة ، بحيث يحدث تكرارها أصواتا ، وإيقاعات موسيقية معينة ، والثانى : تكرار كلمات بعينها يتخيرها الشاعر تخيرا موسيقيا خاصا ، لتؤدى الشعرية إلى توفير إيقاع موسيقى خاص بكل بيت على حدة ، ويتمثل الشكل الثالث لظاهرة التكرار الصوتى فى توالى حركات تتفق أو تختلف مع حركة القافية والروى ، وقد كان الشاعر الجاهلى كثيرا ما يجمع بين شكل أو أكثر من أشكال هذا التكرار الصوتى فى البيت الشعرى الواحد (١).
ويتناول د / إبراهيم عبد الرحمن شعر الأعشى تناولا يدل على وعيه بالعلاقة المتبادلة بين التشكيل الصوتى لبعض القصائد وبين المحتوى الشعرى ، فنراه يقول :
قد اتضح لنا بمراجعة ديوان الأعشى أن عنايته قد انصرفت إلى صوت بعينه من أصوات اللين ، هو صوت ألف المد .. ومثل هذه العناية بهذا الصوت من شأنها أن تؤكد حرص الشاعر على تحقيق البطء الموسيقى فى أشعاره ، فإن هذا الصوت. من أطول الأصوات فى اللغة العربية. كما اتضح لنا أن قصائد الديوان التى جاءت قوافيها المطلقة مقرونة بحروف اللين قد غلب عليها أو قل خصصها الأعشى لموضوعين هما :
__________________
(١) قضايا الشعر ص ٦١ ـ ٦٢.