أى المتلزق المتلجّن ، وينبغى أن يكونوا إنما ألزموا هذا الاسم التحقير لاستصغار معناه ما دام فى تراب معدنه. ويشهد عندك بهذا المعنى قولهم فى مراسله (الذهب) وذلك لأنه ما دام كذلك غير مصفّى فهو كالذاهب ؛ لأن ما فيه من التراب كالمستهلك له ، أو لأنه لمّا قلّ فى الدنيا فلم يوجد إلا عزيزا صار كأنه مفقود ذاهب ؛ ألا ترى أن الشىء إذا قلّ قارب الانتفاء. وعلى ذلك قالت العرب : قلّ رجل يقول ذلك إلا زيد بالرفع ؛ لأنهم أجروه مجرى ما يقول ذاك أحد إلا زيد.
وعلى نحو من هذا قالوا : قلّما يقوم زيد ؛ فكفّوا (قل) بـ (ما) عن اقتضائها الفاعل ، وجاز عندهم إخلاء الفعل من الفاعل لما دخله من مشابهة حرف النفى ؛ كما بقّوا المبتدأ بلا خبر فى نحو هذا من قولهم : أقلّ امرأتين تقولان ذلك ، لمّا ضارع المبتدأ حرف النفى. أفلا ترى إلى أنسهم باستعمال القلّة مقارنة للانتفاء.
فكذلك لمّا قلّ هذا الجوهر فى الدنيا أخذوا له اسما من الذهاب الذى هو الهلاك.
ولأجل هذا أيضا سمّوه (تبرا) لأنه (فعل) من التبار. ولا يقال له (تبر) حتى يكون فى تراب معدنه ، أو مكسورا.
ولهذا قالوا للجام من الفضّة (الغرب) ، وهو (فعل) من الشىء الغريب ؛ وذلك أنه ليس فى العادة والعرف استعمال الآنية من الفضّة ، فلمّا استعمل ذلك فى بعض الأحوال كان عزيزا غريبا. هذا قول أبى إسحاق. وإن شئت جذبته إلى ما كنّا عليه فقلت : إنّ هذا الجوهر غريب من بين الجواهر لنفاسته وشرفه ؛ ألا تراهم إذا أثنوا على إنسان قالوا : هو وحيد فى وقته ، وغريب فى زمانه ، ومنقطع النظير ، ونسيج وحده. ومنه قول الطائىّ الكبير:
غرّبته العلا على كثرة النا |
|
س فأضحى فى الأقربين جنيبا |
فليطل عمره فلو مات فى مر |
|
ومقيما بها لمات غريبا (١) |
وقول شاعرنا :
أبدو فيسجد من بالسوء يذكرنى |
|
ولا أعاتبه صفحا وإهوانا |
__________________
(١) جنيبا : أى غريبا. والبيتان من قصيدة يمدح بها أبا سعيد محمد بن يوسف الثغرى. وهى فى الديوان. (نجار).