وهكذا كنت فى أهلى وفى وطنى |
|
إن النفيس عزيز حيثما كانا |
ويدلّك على أنهم قد تصوّروا هذا الموضع من امتزاجه بتراب معدنه أنهم إذا صفّوه وهذّبوه أخذوا له اسما من ذلك المعنى ، فقالوا له : الخلاص ، والإبريز ، والعقيان. فالخلاص فعال من تخلّص ، والإبريز إفعيل من برز يبرز ، والعقيان فعلان من عقى الصبىّ يعقى ، وهو أول ما ينجيه عند سقوطه من بطن أمّه قبل أن يأكل ، وهو العقى. فقيل له ذلك لبروزه ؛ كما قيل له البراز.
فالتأتى والتلطّف فى جميع هذه الأشياء وضمّها ، وملاءمة ذات بينها هو (خاصّ اللغة) وسرّها ، وطلاوتها الرائقة وجوهرها. فأمّا حفظها ساذجة ، وقمشها محطوبة هرجة (١) فنعوذ بالله منه ، ونرغب بما آتاناه سبحانه عنه.
وقال أبو علىّ رحمهالله : قيل له حبىّ كما قيل له سحاب. تفسيره أن حبيّا (فعيل) من حبا يحبو. وكأن السحاب لثقله يحبو حبوا ؛ كما قيل له سحاب وهو (فعال) من سحب ؛ لأنه يسحب أهدابه. وقد جاء بكليهما شعر العرب ؛ قالت امرأة :
وأقبل يزحف زحف الكسير |
|
سياق الرعاء البطاء العشارا (٢) |
وقال أوس :
دان مسفّ فويق الأرض هيدبه |
|
يكاد يدفعه من قام بالراح (٣) |
وقالت صبية منهم لأبيها فتجاوزت ذلك :
أناخ بذى نفر بركة |
|
كأنّ على عضديه كتافا (٤) |
__________________
(١) الهرج : الضعيف.
(٢) البيت من المتقارب ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (حبا) ، وتاج العروس (حبا).
(٣) البيت من البسيط ، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص ١٥ ، والأغانى ٩ / ٤٤ ، والخصائص ٢ / ١٢٦ ، والشعر والشعراء ١ / ٢١٣ ، ولعبيد بن الأبرص فى ديوانه ص ٥٣ ، وجمهرة اللغة ص ١٣٤ ، والحماسة الشجرية ٢ / ٧٧٠ ، وسمط اللآلى ص ٤٤١ ، ولسان العرب (هدب) ، ولأوس أو لعبيد فى الحيوان ٦ / ١٣٢ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤٢٣.
(٤) البيت من المتقارب وهو لسحيم عبد بنى الحسحاس فى ديوانه ص ٤٨ ، ومعجم ما استعجم ص ٢٦٣ (ذو بقر) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (كتف) (حبا) ، وتاج العروس (كتف) ، (حبا).