باب فى الاشتقاق الأكبر
هذا موضع لم يسمّه أحد من أصحابنا ؛ غير أن أبا على ـ رحمهالله ـ كان يستعين به ، ويخلد إليه ، مع إعواز الاشتقاق الأصغر. لكنه مع هذا لم يسمّه ، وإنما كان يعتاده عند الضرورة ، ويستروح إليه ، ويتعلّل به. وإنما هذا التلقيب لنا نحن. وستراه فتعلم أنه لقب مستحسن. وذلك أن الاشتقاق عندى على ضربين : كبير وصغير.
فالصغير ما فى أيدى الناس وكتبهم ؛ كأن تأخذ أصلا من الأصول فتتقرّأه فتجمع بين معانيه ، وإن اختلفت صيغه ومبانيه. وذلك كتركيب (س ل م) فإنك تأخذ منه معنى السلامة فى تصرّفه ؛ نحو سلم ويسلم ، وسالم ، وسلمان ، وسلمى والسلامة ، والسليم : اللديغ ؛ أطلق عليه تفاؤلا بالسلامة. وعلى ذلك بقيّة الباب إذا تأوّلته ، وبقيّة الأصول غيره ؛ كتركيب (ض ر ب) و (ج ل س) و (ز ب ل) على ما فى أيدى الناس من ذلك. فهذا هو الاشتقاق الأصغر. وقد قدّم أبو بكر ـ رحمهالله ـ رسالته فيه بما أغنى عن إعادته ؛ لأن أبا بكر لم يأل فيه نصحا ، وإحكاما ، وصنعة وتأنيسا.
وأمّا الاشتقاق الأكبر فهو أن تأخذ أصلا من الأصول الثلاثية ، فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحدا ، تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه ، وإن تباعد شيء من ذلك [عنه] ردّ بلطف الصنعة والتأويل إليه ؛ كما يفعل الاشتقاقيون ذلك فى التركيب الواحد. وقد كنا قدّمنا ذكر طرف من هذا الضرب من الاشتقاق فى أوّل هذا الكتاب عند ذكرنا أصل الكلام والقول وما يجيء من تقليب تراكيبهما ؛ نحو (ك ل م) (ك م ل) (م ك ل) (م ل ك) (ل ك م) (ل م ك) ، وكذلك (ق ول) (ق ل و) (وق ل) (ول ق) (ل ق و) (ل وق) ، وهذا أعوص مذهبا ، وأحزن مضطربا. وذلك أنا عقدنا تقاليب الكلام الستة على القوّة والشدّة ، وتقاليب القول الستّة على الإسراع والخفّة. وقد مضى ذلك فى صدر الكتاب.