باب فى الادغام الأصغر
قد ثبت أن الادغام المألوف المعتاد إنما هو تقريب صوت من صوت. وهو فى الكلام على ضربين : أحدهما أن يلتقى المثلان على الأحكام التى يكون عنها الادغام ، فيدغم الأول فى الآخر.
والأوّل من الحرفين فى ذلك على ضربين : ساكن ومتحرك ؛ فالمدغم الساكن الأصل كطاء قطّع ، وكاف سكّر الأوليين ؛ والمتحرك نحو دال شدّ ، ولام معتلّ.
والآخر أن يلتقى المتقاربان على الأحكام التى يسوغ معها الادغام ، فتقلب أحدهما إلى لفظ صاحبه فتدغمه فيه. وذلك مثل (ودّ) فى اللغة التميمية ، وامّحى ، وامّاز ، واصّبر ، واثّاقل عنه. والمعنى الجامع لهذا كله تقريب الصوت من الصوت ؛ ألا ترى أنك فى قطّع ونحوه قد أخفيت الساكن الأوّل فى الثانى حتى نبا اللسان عنهما نبوة واحدة ، وزالت الوقفة التى كانت تكون فى الأوّل لو لم تدغمه فى الآخر ؛ ألا ترى أنك لو تكلّفت ترك ادّغام الطاء الأولى لتجشّمت لها وقفة عليها تمتاز من شدّة ممازجتها للثانية بها ؛ كقولك قططع وسككر ، وهذا إنما تحكمه المشافهة به. فإن أنت أزلت تلك الوقيفة والفترة على الأول خلطته بالثانى فكان قربه منه (وادّغامه) فيه أشدّ لجذبه إليه وإلحاقه بحكمه. فإن كان الأول من المثلين متحرّكا ثم أسكنته وادّغمته فى الثانى فهو أظهر أمرا ، وأوضح حكما ؛ ألا ترى أنك إنما أسكنته لتخلطه بالثانى وتجذبه إلى مضامّته ومماسّة لفظه بلفظه بزوال الحركة التى كانت حاجزة بينه وبينه. وأمّا إن كانا مختلفين ثم قلبت وادغمت ، فلا إشكال فى إيثار تقريب أحدهما من صاحبه ؛ لأن قلب المتقارب أوكد من تسكين النظير.
فهذا حديث الادغام الأكبر ؛ وأما الادغام الأصغر ، فهو تقريب الحرف من الحرف وإدناؤه منه من غير ادّغام يكون هناك. وهو ضروب.
فمن ذلك الإمالة ، وإنما وقعت فى الكلام لتقريب الصوت من الصوت. وذلك نحو عالم ، وكتاب ، وسعى ، وقضى ، واستقضى ؛ ألا تراك قرّبت فتحة العين من