وأما اذّكر فكاسّمع ، واصّبر.
ومن ذلك أن تقع السين قبل الحرف المستعلى فتقرب منه بقلبها صادا على ما هو مبين فى موضعه من باب الادغام. وذلك كقولهم فى سقت : صقت ، وفى السوق : الصوق ، وفى سبقت : صبقت ، وفى سملق (١) وسويق : صملق وصويق ، وفى سالغ (٢) وساخط : صالغ وصاخط ، وفى سقر : صقر ، وفى مساليخ : مصاليخ. ومن ذلك قولهم ستّ أصلها سدس ، فقرّبوا السين من الدال بأن قلبوها تاء ، فصارت سدت فهذا تقريب لغير ادّغام ، ثم إنهم فيما بعد أبدلوا الدال تاء لقربها منها ؛ إرادة للإدغام الآن ، فقالوا ستّ. فالتغيير الأوّل للتقريب من غير إدغام ، والتغيير الثانى مقصود به الإدغام.
ومن ذلك تقريب الصوت من الصوت مع حروف الحلق ؛ نحو شعير ، وبعير ، ورغيف. وسمعت الشجرىّ غير مرّة يقول : زئير الأسد ، يريد الزئير. وحكى أبو زيد عنهم : الجنّة لمن خاف وعيد الله. فأمّا مغيرة فليس إتباعه لأجل حرف الحلق ؛ إنما هو من باب منتن ، ومن قولهم أنا أجوؤك وأنبؤك. والقرفصاء ، والسلطان ، وهو منحدر من الجبل ، وحكى سيبويه أيضا منتن ؛ ففيه إذا ثلاث لغات : منتن ، وهو الأصل ، ثم يليه منتن ، وأقلها منتن. فأمّا قول من قال : إنّ منتن من قولهم أنتن ، ومنتن من قولهم نتن الشىء فإن ذلك لكنة منه.
ومن ذلك أيضا قولهم (فعل يفعل) مما عينه أو لامه حرف حلقىّ ، نحو سأل يسأل ، وقرأ يقرأ ، وسعر يسعر ، وقرع يقرع ، وسحل يسحل ، وسبح يسبح. وذلك أنهم ضارعوا بفتحة العين فى المضارع جنس حرف الحلق لمّا كان موضعا منه مخرج الألف التى منها الفتحة.
ومن التقريب قوله الحمد لله ، والحمد لله.
ومنه تقريب الحرف من الحرف ؛ نحو قولهم فى نحو مصدر : مزدر ، وفى التصدير : التزدير. وعليه قول العرب فى المثل (لم يحرم من فزد له) أصله فصد له ، ثم أسكنت العين ، على قولهم فى ضرب : ضرب ، وقوله :
__________________
(١) السملق : هو الأرض المستوية أو القفر لا نبات فيه.
(٢) سلغت الشاة : أى طلع نابها.