ويمكننا أن نعلل لفك الإدغام فى الآية الأولى بالنظر إلى سياقها فهو سياق ترغيب فى اتباع الرسول ، وبيان أنه شرط لثبوت الادعاء بمحبة العبد لربه ، ووعد بالجزاء الحسن على تلك المحبة وذلك الاتباع ، وقد جعل الله تعالى الجزاء من جنس العمل ، فجعل جزاء هؤلاء الصادقين فى محبته ، محبة مضاعفة منه سبحانه لهم فكان فى فك الإدغام فى الباء المشددة ما يشعر بمضاعفة محبته تعالى وبسطها ومدها لمن أحبه واتبع رسوله.
كما أن لهذا الفك معنى آخر نستطيع أن نستشفه من الآية وهو أن فى لفظ يحببكم بفك الإدغام من الرقة ما ليس فى اللفظ المدغم ، فالناطق بالكلمة بهذه الطريقة يستشعر ـ ولله المثل الأعلى ـ فى اللفظ تدليلا وتنعيما للمخاطبين ، كما يوحى قرب مخرج الباء الشفوية بتقريبهم ، كما يوحى إسكانهم بما فى هذه المحبة من طمأنينة القلب وسكينته.
أما فى آية المائدة التى جاءت على الإدغام فقد كان الإدغام أنسب لسياقها لكونها تتحدث عن الجهاد فى سبيل الله ، وهذا سياق يناسبه التشديد والخشونة فمن ثم جاءت الكلمة مدغمة إظهارا لذلك التشديد.
ومن مواضع العدول الصوتى العجيبة فى القرآن الكريم كذلك لفظ (يهدى) فى قوله تعالى : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [يونس : ٣٥].
ونظرا لأننا سوف نختم البحث بهذه الآية فإننا سوف نتعرض لما فيها كذلك من ظاهرة اختيار صوتى للمد وتركه فى هذه الآية ، بالإضافة إلى ما فيها من عدول فى لفظ (يهدى).
حيث نلاحظ المد فى قوله تعالى : (يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) حيث يجوز مد الياء من يهدى لوجود سببها وهو الهمزة بعدها ، بخلاف يهدى الثانية فى قوله تعالى : (يَهْدِي لِلْحَقِ) حيث يمتنع المد لامتناع سببه ، وكذلك يجوز المد فى (يَهِدِّي إِلَّا) لوجود الهمز بعد الياء ، ويمتنع فى (يهدى).
وإذا تأملنا أولا : أسباب اختيار المد فى مواضعه فى الآية مسترشدين بالسياق ، وجدنا ذلك التناسق العجيب بين الآية بسياقها وما احتف بها من دلالات أخر صوتية ومعجمية وصرفية ونحوية.
فالآية إنما تعقد مقارنة بين هداية الله تعالى لأوليائه ، ومن ثم استحقاقه للعبودية ،