احتشام منه ، ولا إنكار عليه. وذلك نحو قول التابع الصغير للسيّد الخطير : قد خاطبت ذلك الرجل ، واشتريت تينك الفرسين ، ونظرت إلى ذينك الغلامين ، فيخاطب الصاحب الأكبر بالكاف ، وليس الكلام شعرا فتحتمل له جرأة الخطاب فيه ، كقوله : لقينا بك الأسد ، وسألنا منك البحر ، وأنت السيّد القادر ، ونحو ذلك.
وعلّة جواز ذلك عندى أنه إنما لم تخاطب الملوك بأسمائها إعظاما لها ؛ إذ كان الاسم دليل المعنى ، وجاريا فى أكثر الاستعمال مجراه ؛ حتّى دعا ذاك قوما إلى أن زعموا (١) أن الاسم هو المسمّى. فلمّا أرادوا إعظام الملوك وإكبارهم تجافوا وتجانفوا عن ابتذال أسمائهم التى هى شواهدهم ، وأدلّة عليهم ، إلى الكناية بلفظ الغيبة ، فقالوا : إن رأى الملك أدام الله علوّه ، ونسأله حرس الله ملكه ، ونحو ذلك ، وتحاموا (إن رأيت) ، و (نحن نسألك) ؛ لما ذكرنا. فهذا هذا. فلمّا خلعت عن هذه الكاف دلالة الاسمية وجرّدت للخطاب ألبتّة جاز استعمالها ؛ لأنها ليست باسم فيكون فى اللفظ به ابتذال له. فلمّا خلصت هذه الكاف خطابا البتّة ، وعريت من معنى الاسمية ، استعملت فى خطاب الملوك لذلك.
فإن قيل : فهلّا جاز على هذا أن يقال للملك ومن يلحق به فى غير الشعر (أنت) لأن التاء هنا أيضا للخطاب ، مخلوعة عنها دلالة الاسمية؟ قيل : التاء فى (أنت) وإن كانت حرف خطاب لا اسما ، فإن معها نفسها الاسم ، وهو (أن) من (أنت) فالاسم على كل حال حاضر ، وإن لم تكن الكاف وليس كذا قولنا (ذلك) ؛ لأنه ليس للمخاطب بالكاف هنا اسم غير الكاف ؛ كما كان له مع التاء فى (أنت) اسم للمخاطب نفسه ، وهو (أن). فاعرف ذلك فرقا بين الموضعين.
ونحو من ذلك ما رآه أبو الحسن فى أن الهاء والياء فى (إيّاه) و (إيّاى) حرفان ، أحدهما للغيبة ، وهو الهاء ، والآخر للحضور ، وهو الياء. وذلك أنه كان يرى أن
__________________
(١) فى اللسان (سما): «وسئل أبو العباس عن الاسم أهو المسمى أو غير المسمى؟ فقال : قال أبو عبيدة الاسم هو المسمى ، وقال سيبويه : الاسم غير المسمى. وهى مسألة كلامية فيها اختلاف. وانظر الإنصاف المنسوب للباقلانى ٥٣ ، وتفسير البيضاوى فى سورة الفاتحة.