وأيضا فإن المضمر المتصل وإن كان أضعف من الضمير المنفصل ، فإنه أكثر وأسير فى الاستعمال منه ؛ ألا تراك تقول : إذا قدرت على المتصل لم تأت بالمنفصل. فهذا يدلّك على أن المتصل أخفّ عليهم ، وآثر فى أنفسهم. فلمّا كان كذلك وهو مع ذلك أضعف من المنفصل ، وسرى فيه لضعفه حكم ، لزم المنفصل أعنى البناء ؛ لأنه مضمر مثله ، ولا حق فى سعة الاستعمال به.
فإن قيل : وما الذى رغّبهم فى المتّصل حتى شاع استعماله ، وصار متى قدر عليه لم يؤت بالمنفصل مكانه؟
قيل : علّة ذلك أن الأسماء المضمرة إنما رغب فيها ، وفزع إليها ؛ طلبا للخفّة بها بعد زوال الشكّ بمكانها. وذلك أنك لو قلت : زيد ضرب زيدا فجئت بعائده مظهرا مثله فى ذلك إلباس واستثقال. أما الإلباس فلأنك إذا قلت زيد ضربت زيدا لم تأمن أن يظن أن زيدا الثانى غير الأوّل ، وأن عائد الأوّل متوقّع مترقّب. فإذا قلت : «زيد ضربته» علم بالمضمر أن الضرب إنما وقع بزيد المذكور لا محالة ، وزال تعلّق القلب لأجله وسببه. وإنما كان كذلك لأن المظهر يرتجل ، فلو قلت : زيد ضربت زيدا لجاز أن يتوقع تمام الكلام ، وأن يظن أن الثانى غير الأوّل ؛ كما تقول : زيد ضربت عمرا ، فيتوقّع أن تقول : فى داره ، أو معه ، أو لأجله. فإذا قلت : «زيد ضربته» قطعت بالضمير سبب الإشكال ؛ من حيث كان المظهر يرتجل ، والمضمر تابع غير مرتجل فى أكثر اللغة.
فهذا وجه كراهية الإشكال.
وأمّا وجه الاستخفاف فلأنك إذا قلت : العبيثران (١) شممته ، فجعلت موضع التسعة (٢) واحدا ، كان أمثل من أن تعيد التسعة كلها ، فتقول : العبيثران شممت العبيثران. نعم ، وينضاف إلى الطول قبح التكرار المملول. وكذلك ما تحته من العدد الثمانيّ والسباعىّ فما تحتهما ، هو على كل حال أكثر من الواحد.
فلمّا كان الأمر الباعث عليه ، والسبب المقتاد إليه ، إنما هو طلب الخفّة به ، كان
__________________
(١) العبيثران : هو نبت طيب الريح ، من نبات البادية. وتفتح الثاء فيه وتضم.
(٢) أى أحرف «العبيثران».