باب القول على الإعراب
هو الإبانة عن المعانى بالألفاظ ؛ ألا ترى أنك إذا سمعت أكرم سعيد أباه ، وشكر سعيدا أبوه ، علمت برفع أحدهما ونصب الآخر الفاعل من المفعول ، ولو كان الكلام شرجا (١) واحدا لاستبهم أحدهما من صاحبه.
فإن قلت : فقد تقول ضرب يحيى بشرى ، فلا تجد هناك إعرابا فاصلا ، وكذلك نحوه ، قيل : إذا اتفق ما هذه سبيله ، مما يخفى فى اللفظ حاله ، ألزم الكلام من تقديم الفاعل ، وتأخير المفعول ، ما يقوم مقام بيان الإعراب. فإن كانت هناك دلالة أخرى من قبل المعنى وقع التصرف فيه بالتقديم والتأخير ؛ نحو أكل يحيى كمّثرى : لك أن تقدّم وأن تؤخر كيف شئت ؛ وكذلك ضربت هذا هذه ، وكلّم هذه هذا ؛ وكذلك إن وضح الغرض بالتثنية أو الجمع جاز لك التصرّف ؛ نحو قولك أكرم اليحييان البشريين ، وضرب البشريين اليحيون ؛ وكذلك لو أومأت إلى رجل وفرس ، فقلت : كلّم هذا هذا فلم يجبه لجعلت الفاعل والمفعول أيّهما شئت ؛ لأن فى الحال بيانا لما تعنى. وكذلك قولك ولدت هذه هذه ، من حيث كانت حال الأمّ من البنت معروفة ، غير منكورة. وكذلك إن ألحقت الكلام ضربا من الإتباع جاز لك التصرف لما تعقب من البيان ؛ نحو ضرب يحيى نفسه بشرى ، أو كلّم بشرى العاقل معلّى ، أو كلم هذا وزيدا يحيى. ومن أجاز قام وزيد عمرو لم يجز ذلك فى نحو «كلّم هذا وزيد يحيى» وهو يريد كلم هذا يحيى وزيد ، كما يجيز «ضرب زيدا وعمرو جعفر».
فهذا طرف من القول أدّى إليه ذكر الإعراب.
وأمّا لفظه فإنه مصدر أعربت عن الشىء إذا أوضحت عنه ؛ وفلان معرب عما فى نفسه أى مبين له ، وموضح عنه ؛ ومنه عرّبت الفرس تعريبا إذا بزغته ، وذلك أن تنسف أسفل حافره ، ومعناه أنه قد بان بذلك ما كان خفيّا من أمره لظهوره إلى مرآة العين ، بعد ما كان مستورا ؛ وبذلك تعرف حاله : أصلب هو أم رخو؟
__________________
(١) الشرج : الضرب والنوع ؛ يقال : هما شرج واحد ، وعلى شرج واحد ، أى ضرب واحد. ويقال : هو شريج هذا وشرجه أى مثله. اللسان (شرج).