باب القول على أصل اللغة إلهام (١) هى أم اصطلاح؟
هذا موضع محوج إلى فضل تأمل ؛ غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح ، لا وحى (وتوقيف). إلا أن أبا علىّ رحمهالله ، قال لى يوما : هى من عند الله ، واحتجّ بقوله سبحانه : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة : ٣١] وهذا لا يتناول موضع الخلاف. وذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويله : أقدر آدم على أن واضع عليها ؛ وهذا المعنى من عند الله سبحانه لا محالة. فإذا كان ذلك محتملا غير مستنكر سقط الاستدلال به. وقد كان أبو علىّ رحمهالله أيضا قال (٢) به فى بعض كلامه. وهذا أيضا رأى أبى الحسن ؛ على أنه (٣) لم يمنع قول من قال : إنها تواضع منه (٤). على أنه قد فسّر هذا بأن قيل : إن الله سبحانه علم آدم أسماء جميع المخلوقات ، بجميع اللغات : العربية ، والفارسية ، والسريانية والعبرانية ، والرومية ، وغير ذلك من سائر اللغات ؛ فكان آدم وولده يتكلمون بها ، ثم إنّ ولده تفرقوا فى الدنيا ، وعلق كل منهم بلغة من تلك اللغات ، فغلبت عليه ، واضمحلّ عنه ما سواها ؛ لبعد عهدهم بها.
وإذا كان الخبر الصحيح قد ورد بهذا وجب تلقّيه باعتقاده ، والانطواء على القول به.
فإن قيل : فاللغة فيها أسماء ، وأفعال ، وحروف ؛ وليس يجوز أن يكون المعلّم من ذلك الأسماء دون غيرها : مما ليس بأسماء ، فكيف خصّ الأسماء وحدها؟
__________________
(١) فى الأصل (إلهام) بغير همزة استفهام. وفى المطبوع جعلها الأستاذ النجار (أإلهام) بهمزة استفهام ولا حاجة إليه ؛ إذ الكلام يستقيم بدون زيادتها ، فالسياق دال على الاستفهام ، وقد أجاز الأخفش حذف الهمزة فى مثل هذا الموضع إذا كان فى الكلام ما يدل عليه.
(٢) أى بالقول بالتواضع والاصطلاح.
(٣) أى أبا الحسن ، وهو الأخفش ، وحاصل هذا أن أبا على وأبا الحسن قالا بالرأيين ، وقد صرح بهذا فى ج ففيها بعد ذكر القولين : «وكلا الأمرين أجازه أبو الحسن وأبو على». والتوقيف رأى الأشعرى ، والاصطلاح رأى المعتزلة. (نجار).
(٤) كأن الضمير يعود على آدم ، وقد سبق ذكره فى قوله : «أقدر آدم على أن واضع عليها».