والتحامل به لكان مطيقا له ، مقتدرا عليه ، وليس فى هذا من التغزل ما فى الاعتراف بالبعل (١) به ، وخور الطبيعة عن الاستقلال بمثله ؛ ألا ترى إلى قول عمر [ابن أبى ربيعة] :
فقلت لها : ما بى لهم من ترقّب |
|
ولكنّ سرّى ليس يحمله مثلى (٢) |
وكذلك قول الأعشى :
* وهل تطيق وداعا أيّها الرجل (٣) *
وكذلك قول الآخر :
ودّعته بدموعى يوم فارقنى |
|
ولم أطق جزعا للبين مدّ يدى (٤) |
والأمر فى هذا أظهر ، وشواهده أيسر وأكثر.
ثم لنعد فلنقل فى الاعتلال لمن قال بأن اللغة لا تكون وحيا. وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لا بدّ فيه من المواضعة ، قالوا : وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدا ، فيحتاجوا إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات ، فيضعوا لكل واحد [منها] سمة ولفظا ، إذا ذكر عرف به ما مسماه ، ليمتاز من غيره ، وليغنى بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين ، فيكون ذلك أقرب وأخفّ وأسهل من تكلف إحضاره ، لبلوغ الغرض فى إبانة حاله. بل قد يحتاج فى كثير من الأحوال إلى ذكر ما لا يمكن إحضاره ولا إدناؤه ، كالفانى ، وحال اجتماع الضدّين على المحل الواحد ، كيف يكون ذلك لو جاز ، وغير هذا مما هو جار فى الاستحالة والبعد مجراه ،
__________________
(١) البعل : الضجر والتبرم بالشىء ، والبعل : أيضا : الدّهش عند الروع. اللسان (بعل).
(٢) من قصيدة له مطلعها :
جرى ناصح بالودّ بينى وبينها |
|
فقرّبنى يوم الحصاب إلى قتلى |
وقبله :
فقالت ـ وأرخت جانب الستر بيننا ـ |
|
: معى فتحدّث غير ذى رقبة أهلى |
وانظر الديوان. والحصاب ـ بزنة كتاب ـ : موضع رمى الجمار بمنى. (نجار).
(٣) البيت من البسيط ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١٠٥ ، ولسان العرب (جهنم) ، ومقاييس اللغة ٤ / ١٢٦ ، وتاج العروس (ودع).
(٤) هذا البيت أوّل ثلاثة أبيات فى المختار من شعر بشار ٢٤٨ ، وفيه : «صافحته» بدل «ودّعته» ..
(نجار).