النصب؟ فالوجه فيهما النصب على الجواب ، لأنّ الرفع في مثل هذا يكون على أحد وجهين : إمّا على العطف على الأوّل إذا كان يحسن اشتراك الثاني مع الأول كقولك : «ما تأتينا فتحدثنا» بالرفع ، كأنّك قلت : ما تأتينا وما تحدّثنا ، أو على القطع والابتداء ، كقولك أيضا في هذه المسألة : «ما تأتينا فتحدّثنا» ، كأنّك قلت : فأنت تحدّثنا الآن ، ومثله : «دعني فلا أعود» أي : دعني فإنّي لست ممّن يعود وكما قال الشاعر : [الطويل]
٤١٢ ـ فلا زال قبر بين تبنى وجاسم |
|
عليه من الوسميّ جود ووابل |
فينبت حوذانا وعوفا منوّرا |
|
سأتبعه من خير ما قال قائل |
كأنّه قال : فهو ينبت ، ولم يجعله جوابا ، ولك أن تقول : «ما تأتينا فتحدّثنا» إذا جعلته جوابا ، فيكون ذلك على معنيين ، أحدهما : أن يكون التقدير : ما تأتينا فكيف تحدّثنا؟ أي : لو أتيتنا لحدّثتنا ، والوجه الآخر : أن يكون التقدير : ما تأتينا إلّا لم تحدّثنا ، أي : منك إتيان كثير ولا حديث منك ، وعلى هذا الوجه النصب في البيتين اللّذين سألت عنهما ، فيقال في قول زهير : المعنى إلّا لم تتركه الأيّام وهي كما هيا ، وكذلك «فما أحد يمضي فيدرك حيّ بعده خلفا ، ألا ترى أنّك لو رفعت على العطف لكان التقدير : لا أرى ذا إمّة ولا تتركه الأيام ، وهذا غير مستقيم ، وكذلك البيت الآخر : فما أحد يمضي فيدرك بالرفع تقديره على العطف : فما أحد يمضي ولا يدرك ، وهذا محال لأنّه ليس يريد أن يقول : لا يمضي أحد ولا يدرك حيّ منه خلفا على نفيهما جميعا ، لأنّ المضيّ لا بدّ منه ، ولو رفعت أيضا على القطع والاستئناف لم يستقم ، وإذا بطل وجه الرفع فليس إلّا النصب على الجواب.
المسألة التاسعة
«ما يسأل زيد عن شيء فيجيب فيه» و «ما يسأل عن شيء فيخطئ فيه» أما قولك : «ما يسأل عن شيء فيجيب فيه» فيجوز فيه النصب والرفع ، النصب من وجهين ، والرفع من وجه واحد ، فأحد وجهي النصب : أن يكون التقدير : ما يسأل زيد عن شيء فيجيب فيه بالنصب ، والتقدير : إلّا لم يجب فيه ، أي : قد يسأل فلا يجيب ، هذا معنى الكلام ونصبه على الجواب ، والوجه الثاني : أن يكون التقدير : ما
__________________
٤١٢ ـ البيتان للنابغة في ديوانه (ص ١٢١) ، والكتاب (٣ / ٣٦) ، والردّ على النحاة (ص ١٢٦) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٥٦) ، والمقتضب (٢ / ٢١).